BY: Patrick Cockburn
الشرق اليوم – دائمًا ما كنت أشعر بالقلق عندما اضطر لدخول المنطقة الخضراء في بغداد، في الوقت الذي كانت مداخلها تتعرض لهجمات متكررة من قبل انتحاريين يقودون سيارات مليئة بالمتفجرات.
وهذا الشهر باتت واشنطن أشبه بالمنطقة الخضراء القديمة في بغداد، حيث تم استدعاء 25 ألف جندي من الحرس الوطني، وكان الغرض العلني هو حماية حفل تنصيب الرئيس جو بايدن.
ويريد الديمقراطيون ووسائل الإعلام التي تكره الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى حد كبير، تصوير مثيري الشغب في أحداث 6 يناير في الكابيتول من اليمين المتطرف على أنهم “إرهابيون محليون” قاموا بتمرد فاشل من أجل منع بايدن من تولي السلطة، ومن الواضح أن بعض الأفراد كانوا يرغبون في فعل ذلك بالضبط، ولكن على الرغم من الانطباع الذي أعطته كل مقاطع الفيديو المروعة، فإن هذا لم يكن انقلابًا بمعنى محاولة منظمة للاستيلاء على السلطة، وأي إشارة إلى أن العاصمة الأمريكية قد واجهت تهديدًا مماثلًا لذلك الموجود في المنطقة الخضراء في بغداد قبل 15 عامًا هو مبالغة سخيفة.
وقد اتسمت نهاية رئاسة ترامب بحدثين: غزو مبنى الكابيتول، ورد الفعل العسكرى المبالغ فيه، ومن دواعي السرور أن نرى الجمهوريين، الذين اقتربوا العام الماضي من الفوز في الانتخابات الرئاسية من خلال التظاهر بأن احتجاجات “حياة السود تهم” كانت تمردًا “إرهابيًا”، يدّعون الآن أنهم مدافعون عن الحقيقة ويعبرون بإخلاص عن استيائهم من ذلك، وأن الديمقراطيين يهددون الوحدة الوطنية.
وفي الواقع، تخاف القيادة الجمهورية من فكرة أن تكون أحداث6 يناير بمثابة 11 سبتمبر جديدة، وأن تؤدي هذه الأحداث لشيطنة الحزب وتقسيمه.
ورغم كل حديث بايدن عن الوحدة، فإن الديمقراطيين لديهم فرصة لانتزاع مكاسب سياسية من الجمهوريين ولن يفوتوا الأمر، فإذا لعبوا أوراقهم بشكل صحيح فيمكنهم استغلال الغزو المخزى لمبنى الكابيتول لسنوات، تمامًا كما فعل الجمهوريون فى أحداث 11 سبتمبر، وصحيح أن الخسائر في الأرواح تختلف بشكل كبير بين الحدثين، خمسة قتلى مقارنة بـ2977، ولكن للحدثين سمات مشتركة مهمة.
فقد كان كلاهما واضحًا للغاية حتى على مستوى معايير التغطية الإخبارية على مدار الساعة: ظلت صورة الطائرات التي تصطدم بالبرجين محفورة في أذهان الأمريكيين من خلال عرضها بشكل متكرر، وبالمثل، فإن كل تفاصيل الاستيلاء على مبنى الكابيتول باتت معروفة للعالم لأن الثوار المفترضين قد أمضوا الكثير من الوقت في تصوير مقاطع فيديو لأنفسهم من داخل المبنى.
وعلى المدى الطويل، نجحت أحداث الحادي عشر من سبتمبر بشكل أفضل بكثير مما كان يأمل أسامة بن لادن والقاعدة لأنها أثارت رد فعل مبالغًا فيه من جانب الرئيس آنذاك جورج دبليو بوش، الذي واصل حربه على الإرهاب، وشن حربين كارثيتين في أفغانستان والعراق، مما أضفى الشرعية علانية على استخدام أمريكا للتعذيب.
وبالمثل، فإن الإفراط في استغلال أحداث 6 يناير لتحقيق مكاسب سياسية يمكن أن يأتي بنتائج عكسية إذا تم استهداف قطاع واسع جدًا من الجمهوريين، وتتمثل مناورة المؤيدين السابقين لترامب في الادعاء بأن جميع الأمريكيين الذين صوتوا لصالحه، البالغ عددهم ٧٤ مليونًا، يتعرضون للشيطنة بشكل غير عادل، وقد تنأى الشركات الكبرى بنفسها بسرعة عن ترامب وفكره، لكن هذا لن يستمر لأن الأثرياء يتذكرون ما قدمه لهم فيما يتعلق بالتخفيضات الضريبية وإلغاء القيود.
ومن المشكوك فيه أن يقود ترامب نفسه عودة إلى الظهور من جديد، كما أنه لن يفلت بسهولة من عواقب الغوغائية العدوانية التي وجهها إلى أنصاره قبل أن يقتحموا مبنى الكابيتول، وبغض النظر عن مدى تحريضه، فمن المفترض أن يخبر محامو مقتحمي الكونجرس موكليهم أنه من مصلحتهم الادعاء بأنهم كانوا يطيعون أمرًا مباشرًا من الرئيس، والذي بدونه ما كانوا ليثيروا أمرًا غير قانوني.
وأعتقد أن عودة ترامب ستكون صعبة للغاية، لأن الخطر الذي يمثله على الكثير قد تم إثباته خلال السنوات الأربع الماضية، ولاتزال مهارته العظيمة تتمثل في إتقانه استخدام مواقع التواصل الحديثة، لاسيما “تويتر” وقنوات التليفزيون، لكن سجل عدم كفاءته في المنصب أظهر أنه لم يتقن أي شيء آخر.
وقد بلغ حكمه الفوضوي ذروته في سوء تعامله الكارثي مع وباء “كوفيد – 19” الذي قتل 400 ألف أمريكي، ومع ذلك فقد أظهرت الانتخابات الحجم الهائل للناخبين الذين يؤيدونه.
وبينما يذهب ترامب إلى منتجع مار إيه لاجو في بالم بيتش، فإنه سيظل هاجسًا لأمريكا والعالم، ولحسن الحظ، فإن احتمالية أن يحظى بانتعاش سياسي كانت قائمة فقط قبل بضعة أسابيع عندما بدا أنه من الممكن أن يؤسس محطته التليفزيونية الخاصة، وينظم تجمعات جماهيرية، ويدعي أن الانتخابات قد سُرقت منه، واليوم، ربما لديه الكثير من الأعداء الأقوياء، الذين يسيطرون الآن على الحكومة، مما يصعب عودته.
ومع ذلك، فإنه لاتزال الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لصعود ترامب قائمة، فلا يزال الاقتصاد النيوليبرالي المهيمن منذ 40 عامًا منذ عصر رونالد ريجان ومارجريت تاتشر يؤدى لعدم المساواة، وهذه ليست مجرد ظاهرة أمريكية، فترامب هو فقط البديل الأمريكي في مجموعة من المستبدين القوميين الشعبويين الذين استولوا على السلطة في جميع أنحاء العالم من البرازيل إلى تركيا، ومن المجر إلى الفلبين.
ولطالما كانت أمريكا منقسمة بشكل أعمق بسبب العرق والطبقية مما يدرك معظم الأمريكيين وتقريبًا جميع الأجانب، ولن تؤدى النداءات المتكررة، اليائسة إلى حد ما، من أجل الوحدة في حفل تنصيب بايدن إلا إلى التأكيد على الانقسامات، فبالنظر إلى عمق الأحقاد والمخاوف، فإنه من المدهش أنه لم يكن هناك المزيد من العنف.
وصحيح أن بايدن قد تحدث عن إنهاء الحرب غير الحضارية لكنها مازالت موجودة تحت سطح الحياة الأمريكية منذ الاستقلال ولن تنتهى الآن.
ترجمة: المصري اليوم