الرئيسية / مقالات رأي / محاكمة ترامب: هل يتخلى الجمهوريون عنه؟

محاكمة ترامب: هل يتخلى الجمهوريون عنه؟

بقلم: هشام ملحم – النهار العربي

الشرق اليوم – غادر الرئيس السابق دونالد ترامب، البيت الأبيض مرغماً، ولكنه لم يغادر المسرح السياسي. خسارته الدعاوى والطعون بالانتخابات التي رفعها أمام عشرات المحاكم، كانت محرجة. وإحالته على المحاكمة للمرة الثانية في مجلس الشيوخ، كانت مذلة وقوّضت علاقاته ببعض القيادات الجمهورية في الكونغرس. ولكن ضعف ترامب لا يعني أن سيطرته على شريحة كبيرة من الجمهوريين المتشددين قد تبخّرت.

ومع الإعلان عن بدء محاكمته في مجلس الشيوخ في التاسع من شباط / فبراير بتهمة تحريض أنصاره على مهاجمة الكابيتول في السادس من الشهر الجاري، وجد الجمهوريون في مجلس الشيوخ أنفسهم في مواجهة امتحان صعب. هل يتخلّون عن ترامب، ويجازفون في إغضاب القاعدة التي يحتاجونها في الانتخابات المقبلة، أم يتمسكون به مع ما يعنيه ذلك من تسليم ببقائه زعيماً للحزب، وبقائهم في ظله؟ وبقاء ترامب قائداً فعلياً للحزب، بدلاً من قادة الكونغرس، يعني أن الطامحين للترشح لمنصب الرئاسة سوف يضطرون لمواجهته، إذا نفذ إصراره على الترشح للرئاسة مرة ثانية. 

هذه الحسابات تفترض أن مجلس الشيوخ لن يجرّم ترامب بتهمة التحريض على اقتحام الكابيتول، كما تفترض إفلاته من القضاء الذي يحقّق بانتهاكاته لقوانين الضرائب وغيرها من التهم، وبخاصة في ولاية نيويورك، كما تفترض عدم إفلاس أو إغلاق نواديه وفنادقه التي تبين التحقيقات أن دخل معظمها قد انحسر كثيراً، وأن مستقبله كرجل أعمال ليس واعداً بعدما أعلنت مؤسسات مالية، ومن أبرزها البنك الألماني Deutsche Bank وقف التعامل مع شركات ترامب. وتصل ديون ترامب المستحقة لهذا البنك الى أكثر من 340 مليون دولار.

قرار هذا البنك يمثل نكسة مالية كبيرة لترامب، لأنه كان البنك الوحيد الذي بقي على علاقاته  بترامب بعدما أعلن عن إفلاس بعض شركاته خلال تسعينات القرن الماضي. 

وبعد إحالة ترامب على المحاكمة في مجلس الشيوخ، سرّبت مصادر مقربة من السيناتور ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في المجلس قوله إنه يريد التخلص من ترامب كقوة سياسية في الحزب، وإن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي في تجريمه في مجلس الشيوخ. وترى هذه المصادر أن ترامب هو في أسوأ وضع له منذ حملته الانتخابية في 2015.

وتجريم ترامب في مجلس الشيوخ يتطلّب تصويت ثلثي الأعضاء على القرار، ما يعني أنه في حال حضور مئة سناتور جلسة التصويت، يجب أن ينضمّ 17 عضواً جمهورياً الى الأعضاء الديموقراطيين الخمسين. ولكن أكثرية الثلثين لا تعني أكثرية جميع أعضاء المجلس، بل أكثرية ثلثي الحضور، ما يعني أن بعض الأعضاء الجمهوريين قد يختارون البقاء خارج المجلس، والمساهمة مساهمةً غير مباشرة في معاقبة ترامب. يذكر أن السيناتور مت رومني، كان الجمهوري الوحيد الذي تحدّى حزبه وصوّت ضد ترامب عندما حوكم للمرة الأولى العام الماضي.

وذكرت مصادر مطّلعة على المداولات بين الجمهوريين أن هناك شخصيات جمهورية خدمت الرئيس ترامب في السابق، وقيادات حزبية خارج الكونغرس، إضافة الى فئة ثالثة ونافذة جداً، وهي فئة المموّلين الكبار للحزب، جميعهم يضغطون على السناتور ميتشل لقيادة حملة التخلص من ترامب وتحييده سياسياً في المستقبل. ويرى هؤلاء أن مستقبل الحزب، وعدم انقسامه هو في ضمان تخطي حقبة ترامب. ويرى هؤلاء أن توقيت المحاكمة مناسب لتحييد ترامب لأنه معزول في فندقه في ولاية فلوريدا، والأهم من ذلك محروم من الاتصال بأنصاره بعدما قررت شركات الاتصال الاجتماعي، وتحديداً شبكة “تويتر”، تجميد حساباته. 

ولكن للتدليل على أن شبح ترامب لا يزال مهيمناً على قيادات الجمهوريين، فإنهم يتفادون الحديث عن ترامب علناً، ويلجأون الى التصريحات الخلفية والتسريبات. الجمهوريون الذين يتحدّثون علناً هم الذين يؤيدون ترامب. 

تأتي هذه التطورات بين قيادات الحزب الجمهوري، في الوقت الذي ذكرت فيه تقارير صحافية أن هناك حالة من الإحباط والضياع في أوساط الجماعات المتشددة والمتطرفة، بما في ذلك تلك الميليشيات التي ساهمت باقتحام الكابيتول، بأن ترامب قد تخلى عنها، وأنه لم يحاول حتى مساعدة المعتقلين وإصدار العفو عنهم، واعتبره البعض جباناً، ولا يستحق دعمهم ومجازفتهم بأمنهم من أجله.

الحزب الجمهوري اليوم هو حزب منقسم على بعضه، ويضم شريحة متطرفة وعنصرية بشكل سافر، ولم تكن تجرؤ على التحرك علناً قبل أن يجعلها ترامب مقبولة أكثر ومرحّباً بها تحت خيمة الحزب الجمهوري الضيقة. هناك القيادات التقليدية في مجلسي الكونغرس التي ساومت ترامب كثيراً حين قبلت بسيطرته شبه المطلقة على الحزب وجعله في السنوات الأربع حزب ترامب. هؤلاء يريدون استعادة بعض صدقيتهم. وهناك أيضاً بعض المثقفين المحافظين الذي كانوا في السابق تحت خيمة الحزب، ولكنهم عارضوا ترامب واتخذوا موقفاً رافضاً بالمطلق لكل ما يمثله، وشكلوا في 2019 لجنة سياسية باسم “مشروع لينكولن”، قامت خلال السنة الماضية ببث أفضل الدعايات السياسية المضادة لترامب ولكل النواب والشيوخ المقربين منه.

المعلومات التي رشحت عن التحقيقات في اقتحام الكابيتول تؤكد أن العملية كانت منظمة وإن لم تكن مركزية أو جيدة التنظيم، وأن هناك عناصر تنتمي الى ميليشيات متطرفة وعنصرية شاركت في الاقتحام. هذه التحقيقات سوف تبقي الضغوط السياسية على الحزب الجمهوري، إضافة الى التقارير الصحافية الاستقصائية التي تبيّن كل يوم تقريباً مدى تورط ترامب في محاولة تقويض نتائج الانتخابات. وكشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن ترامب حاول التخلص من وزير العدل بالوكالة وتعيين بديل له كان مستعداً لتغيير نتائج انتخابات ولاية جورجيا، ولكنه عدل عن ذلك بسبب معارضة كبار الموظفين في الوزارة. ويوم أمس كشفت وزارة العدل عن اعتقال أحد الذين اقتحموا الكابيتول لأنه هدد باغتيال عضوة مجلس النواب الديموقراطية التقدمية ألكسندرا أوكاشيو كورتيز.

سوف تجرى محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ على خلفية هذه التطورات السياسية والميدانية. وسوف يراقب الأميركيون كيف سيتعامل معها الجمهوريون وهل سيصوّتون على تجريم ترامب وتخطي حقبته، أم سيختارون البقاء في ظله، مع ما يعنيه ذلك لحزبهم ولبلدهم.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …