بقلم: محمد نور الدين – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- أخيراً أصبح جو بايدن في البيت الأبيض. هذا ما كانت تتخوف منه تركيا. فالرئيس الأمريكي الجديد كان أعلن علانية أنه يريد خلع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2023. وبايدن معروف عنه أنه وثيق الصلة بمجموعات الحماية الكردية التي تسيطر على الشمال الشرقي لسوريا بدعم مباشر من القوات الأمريكية، والتي تصنفها تركيا على أنها “إرهابية”. وفي عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وكان بايدن نائباً له، رفضت الولايات المتحدة بيع تركيا صواريخ باتريوت. وفي ذلك العهد أيضاً جرت محاولة انقلابية عسكرية ضد أردوغان عام 2016، توجهت أصابع اتهام أنقرة فيها إلى أوباما بالوقوف وراءها، وبأنه يحمي رجل الدين فتح الله غولين الذي اعتبرته أنقرة الأداة التي نفّذت محاولة الانقلاب.
إلى هذه الملفات الشائكة أصلاً، أضيفت إحدى أكثر المشكلات تعقيداً حالياً، أي شراء تركيا صواريخ “إس 400” من روسيا، وهو ما قابلته واشنطن بتعليق مشاركة تركيا في برنامج إنتاج طائرات “إف 35” المتطورة، باعتبار أن أنظمة “إس 400” لا تنسجم مع النظام الجوي الأطلسي الذي تركيا جزء منه.
بايدن في البيت الأبيض وأردوغان يقلب أوراقه بحثاً عن وسيلة لدفع “العاصفة المقبلة”، وأمامه طريق من اثنين: إما الاستمرار في سياساته الحالية وبالتالي تعميق الخلافات مع البيت الأبيض، وإما الانحناء للعاصفة الآتية وتدوير الزوايا بشكل لا لبس فيه والعودة إلى الحضن الغربي.
من تقاليد أردوغان الانحناء للعاصفة ريثما تمر، والعودة من بعدها إلى سابق أساليبه. وهو ما يذهب إليه الكاتب التركي محمد علي غولر في صحيفة “جمهورييت” المعارضة الذي يقول إن أردوغان أبدى رغبة في الأيام الأخيرة للانفتاح على أوروبا وعلى الولايات المتحدة الأمريكية، بل سيبدأ مفاوضات استكشافية مع اليونان في 25 يناير الجاري، وتبادَلَ مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسائل في غاية الود. وإذا كانت الرسائل هذه تتصل بأوروبا، فلأنها بوابة الوصول تالياً إلى قلب واشنطن. لكن غولر يقول إن غاية أردوغان من كل ذلك هو ضمان بقائه في السلطة ليس إلا.
الرسائل التركية حتى الآن ليست كافية. فوزير الدفاع خلوصي آكار أعلن أن تركيا بصدد الدخول في مفاوضات مع روسيا لشراء دفعة ثانية من صواريخ “إس 400” كما تريد أن تعود إلى برنامج إنتاج “إف 35” التي علق الأمريكيون مشاركة تركيا فيها. أي أن الموقف التركي لا يزال “ضربة على الحافر وضربة على المسمار”. وهو ما قد لا يروق للأمريكيين، كما يقول سنان أولغين، مندوب تركيا السابق لدى الاتحاد الأوروبي والرئيس الحالي لمركز أبحاث الاقتصاد والسياسة الخارجية في أنقرة. ذلك أن “إس 400″ و”إف 35” لا يجتمعان. وكل خيار يطرد الآخر. ويقول أولغين إن على تركيا أن تختار “إف 35″ لأنها تضمن لتركيا مكاسب إنتاجية واستزادة في الخبرات العسكرية، فضلاً عن أن عدم امتلاك سلاح الجو التركي مثل هذا الجيل من الطائرات المتطورة يبقي ثغرة كبيرة في القدرات الجوية التركية. ولكن الاتفاق على مخرج ل”إس 400” يتطلب تفاهماً واسعاً على قضايا أخرى، ومنها العقوبات الأمريكية على الصناعات العسكرية التركية التي تشكل خطراً على تطوّرها على المدى البعيد. ويضيف أولغين قضية أخرى تنتظر العلاقات التركية – الأمريكية وهي القرار الذي سيصدره القضاء الأمريكي بخصوص “بنك خلق” المتهم بالتساهل وتبييض الأموال مع إيران قبل سنوات. فإذا كان القرار بتجريم البنك، فالعلاقات ستسوء أكثر. ويحذّر سنان أولغين من بيان قمة الاتحاد الأوروبي السابقة حول تركيا، عندما ذكر أن الاتحاد سيتخذ موقفه تجاه تركيا في قمة مارس/آذار المقبلة بالتشاور مع الولايات المتحدة. وهذا له وجهان: إذا كانت أوروبا هي المؤثرة في أمريكا فسوف تكون العلاقات التركية مع الطرفين مفتوحة على الإيجابيات والتعاون. لكن إذا كان الموقف الأمريكي تجاه تركيا متشدداً، فإن الأوروبيين لا يستطيعون الخروج من العباءة الأمريكية، وستكون تركيا في وضع صعب.
من الآن وحتى مارس المقبل يفترض أن تكون اتجاهات سياسات بايدن الجديدة قد تبلورت، وسيتضح أكثر مآل الطريق الذي ستسلكه العلاقات التركية، كما أوروبا كذلك مع الولايات المتحدة وهي الأهم.