الشرق اليوم- أنت مطرود! مرات عديدة ردد فيها دونالد ترامب هذه الجملة، عندما كان لا يزال مضيفاً للعبته التلفزيونية الواقعية المفضلة، ليشير إلى استبعاده للمرشحين غير الناجحين!
وبمجرد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة عام 2016، لم يتخيل ترامب أبداً أنه سيُطاح به فقط بجرة قلم أو بمجرد إشارة. وتأتي العقوبة هذه المرة من رؤساء تويتر وفيسبوك، الذين قرروا يوم الجمعة 8 يناير/كانون الثاني إغلاق الحسابات الشخصية الخاصة بدونالد ترامب. وتفتح هذه القرارات غير المسبوقة نقاشاً مذهلاً حول حرية التعبير.
وبالتالي، يُحرم رئيس القوة العالمية الأولى من أسلوبه المفضل في التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في أعقاب الغزو التاريخي لمبنى الكابيتول، والذي يتحمل فيه جزءاً معيناً من المسؤولية من خلال الرسائل الملتهبة التي نشرها قبل الهجوم. وخوفاً من أن تؤدي تصريحاته إلى مزيد من العنف، تحمل تويتر وفيسبوك المسؤولية.
ومن المؤسف، أنه كان يجب انتظار مثل هذا السياق المتفجر، حتى تحسم هذه المنصات نقاشاً مؤلماً امتد لعدة سنوات بالفعل. وإذا كان هذا القرار قد تم اتخاذه بشكل عاطفي، إلا أنه بلور الانقسامات. ولطالما اتهمت الشبكات الاجتماعية بالتراخي، وهي اليوم تعتبر بمثابة الرقيب.
أما عن التراخي، فقد كانت كذلك طوال فترة ولاية دونالد ترامب، الذي لم ينتظر حتى 6 يناير/كانون الثاني للتلاعب بالرأي العام. وأما من ناحية أنه رقيب، فهي كذلك في واقع الأمر اليوم.
ولكن ما هي شرعية الرؤساء التنفيذيين لهذه الشبكات ليكونوا حكماً في النقاش حول حرية التعبير، عندما يكون همهم الأساسي هو الحفاظ على ربحية نموذجهم الاقتصادي؟
الحقيقة أنهم محاصرون في نقاش لا ينفصم، ففي ظل غياب أنظمة اعتدال فعالة وغير خاضعة لرقابة السلطات المستقلة، نجد أن هذه المنصات نفسها عالقة في نقاش لا ينفصم عن الظروف الحالية. وعدم القيام بأي شيء، كان أمراً مستحيلاً، نظراً لخطورة الموقف.
ولكن من خلال التصرف بعد فوات الأوان وبشكل جذري، فإن وسائل التواصل الاجتماعي تغذي الفكرة القائلة إن هناك مؤامرة تعمل لإسكات دونالد ترامب.
ومع ذلك، فحتى عندما يغادر البيت الأبيض، سيكون في حيرة من أمره للاختيار في إيجاد قنوات أخرى للتواصل. ومن المزمع إنشاء قناة تلفزيونية وربما شبكة اجتماعية جديدة.
وتوضح هذه الحلقة الحاجة إلى منصات رقمية أكثر إحكاماً. وتعتبر اللوائح الأوروبية التي يتم وضعها حالياً خطوة في الاتجاه الصحيح. ويجب على الولايات المتحدة، التي ظلت حتى الآن حذرة للغاية، أن تتصرف بدورها.
لكن سيكون من الخطأ الاعتقاد أن معالجة الأعراض ستكون كافية لعلاج المرض. فقد أصبحت الحقائق البديلة اليوم سلاحاً سياسياً لم يؤخذ بالاعتبار لفترة طويلة جداً من قبل الديمقراطيات، التي تواجه تحدياً كبيراً.
إن كتم صوت هذا الغضب الذي يتغذى على الأكاذيب هو أمر مغرٍ. لكن السؤال الحقيقي هو أن نسأل أنفسنا عن الأسباب التي تجعل الملايين من الناس مستعدون لتصديق ما لا يصدق، حتى ولو كان لا يطابق ما يريدون سماعه إلا قليلاً.
وبسبب عدم الانتباه الكافي لاهتمامات هذا القسم من الرأي، سمحت النخب للظاهرة بالنمو، إلى درجة أنها هزت واحدة من أكبر الديمقراطيات في العالم. ولن تحل المشكلة بإزالة هفوات دونالد ترامب، بل ربما يحتاج الأمر إلى تفكير عميق خاص بتجاوزات النظام السياسي والاقتصادي الذي لم يعد هؤلاء السكان يؤمنون به.
ترجمة: صحيفة الخليج