بقلم : هايل ودعان الدعجة – صحيفة الدستور
الشرق اليوم – لا شك بأن عملية اقتحام مبنى الكونجرس، وما أعقبها من قيام السلطات الأميركية بإغلاقه وبفرض طوق أمني حول واشنطن، وسط مخاوف وتحذيرات من أعمال عنف واحتجاجات وهجمات مسلحة وتهديدات أمنية من قبل جماعات العرق الأبيض اليمينية المتطرفة، قد تصاحب حفل تنصيب الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن ، تؤكد على دخول الولايات المتحدة مرحلة صعبة وحساسة، عكست وجود أزمة حقيقية في بنيتها المجتمعية، بأبعاد سياسية واجتماعية وديمغرافية وقيمية وأخلاقية وثقافية، أساسها الخطاب القومي والشعبوي الذي تبناه الرئيس دونالد ترامب، وساهم في وجود هذا التيار اليميني المتطرف والعنصري من جماعات تفوق العرق الأبيض، التي باتت تخشى خطر التغيير الديمغرافي، الذي يميل لصالح الأقليات العرقية، خاصة بعد دورها في حسم الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس المنتخب بايدن، الذي سيقوم بمنح الشرعية لأكثر من عشرة ملايين مهاجر غير شرعي، بشكل سيعزز من فرص الحزب الديمقراطي في الفوز في أي انتخابات اميركية مستقبلا على حساب الحزب الجمهوري، الذي قد يفقد عنصر المنافسة على المستوى الفدرالي في ظل الأجواء المشحونة التي تسبب فيها ترمب داخل الحزب بصورة قد تؤدي الى انقسامه وزيادة حدة التوتر داخله وربما انهياره في أعقاب تشجيعه لانصاره ومؤيديه على التمرد والتحريض على اقتحام مبنى الكونجرس، أحد أهم المعالم والمعاقل الديمقراطية الاميركية. الأمر الذي سيجعل الحزب الديمقراطي ينفرد ربما في تحقيق انتصارات انتخابية اميركية مستقبلية، يتوقع ان يمهد لها الرئيس المنتخب بايدن بقرارات وسياسات وتشريعات، مستغلا حصول حزبه على الاغلبية في مجلسي النواب والشيوخ. دون أن نغفل احتمالية أن تؤدي التغيرات والتطورات الأمنية والسياسية والاجتماعية غير المعهودة التي شهدتها أمريكا مؤخرا الى عدم تمتع أو حصول أي من القوى السياسية على الأغلبية المطلوبة التي تمكنها من الاستحواذ على السلطة، بصورة قد تدخل اميركا الى عالم التحالفات السياسية الائتلافية الهشة والضعيفة عند تشكيل إداراتها ومؤسساتها المختلفة، وهي التحالفات التي سرعان ما تتفكك وتنهار عند دخولها في تفاصيل الأولويات والأهداف والأفكار والأطر العامة التي توافقت عليها عند تشكيلها.
الأمر الذي سيجعل المشهد الأميركي السياسي والاجتماعي ونتيجة للعوامل الديمغرافية والعرقية تحديدا مفتوحا على كل الاحتمالات، بما فيها تلك التي ستدفع به الى المزيد من التوتر والانقسام وعلى يد الجماعات البيضاء المتطرفة والعنصرية، التي ساهم الرئيس ترمب باعادتها وتعزيز حضورها، بعد ان نجحت الادارات الاميركية السابقة في محاصرتها واقصائها، مفسحا المجال أمامها للانخراط من جديد في العمل السياسي ومن بوابة العمليات الانتخابية والتأثير في نتائجها، وربما إقناع النخب السياسية الطامحة مستقبلا الى دعمها ورعايتها لتعزيز فرص هذه النخب بالفوز، مما يضع الولايات المتحدة أمام احتمالية الدخول في دوامة العنف الانتخابي والسياسي والمجتمعي. الأمر الذي يضع الرئيس المنتخب بايدن أمام تحدي إثبات ما إذا كانت بلاده تتمتع بمناعة مجتمعية، وتمتلك الضوابط والأدوات والآليات التصحيحية الكفيلة باعادة التوازن او التوازنات لها، بشكل يساعد النظام السياسي على تصحيح ذاته، وبالتالي تجاوز الازمة الداخلية التي تعاني منها، وذلك من خلال احتواء المد اليميني العنصري المتطرف، واستعادة الثقة بالمؤسسات الديمقراطية والبرلمانية والإعلامية والقضائية والأمنية، وبالمنظومة الأخلاقية والقيمية والثقافية الأميركية التي أساء لها الرئيس ترامب، واعادة الاعتبار للأقليات العرقية واحترامها والحرص على دمجها بالمجتمع الاميركي، وذلك كمقدمة لترميم صورة اميركا الخارجية وتحسينها ومن ثم اعادة الدفء الى علاقاتها وتحالفاتها الدولية، والانفتاح على الدول الأوروبية والعربية والاسيوية الحليفة، واستعدادها لتفعيل منظومة حقوق الإنسان، واحترام القرارات والمنظمات والاتفاقيات والمرجعيات الدولية، لتستعيد مكانتها ودورها وأهليتها في قيادة المنظومة العالمية.