الشرق اليوم- لم يكن “داعش” مجرد تنظيم مسلح انتهى تأثيره بهزيمته في الحرب التي شنّتها ضده الدولتان العراقية والسورية، ومعهما عدد من الدول في إطار تحالف أوسع؛ بل استمرت كوارثه حتى ما بعد هزيمته، فقد خلف إرثاً من المظاهر السلبية في المجتمعات التي بقي فيها لسنوات، سواء كانت فكرية أو عسكرية. وبقدر ما كان وجوده مربكاً للسلطتين في سوريا والعراق، شكلت هزيمته أيضاً قلقاً لجهة ما تركه من حضور عسكري، خاصة في ظل ضبط أسلحة بين وقت وآخر، كانت آخرها صواريخ مع منصات لإطلاقها، إلى جانب أسلحة وقنابل، في محافظة كركوك العراقية.
في العراق، كما في سوريا أو أي منطقة يوجد فيها “داعش”، يحضر الإرهاب بكل صنوفه وأشكاله، وتلغيم المجتمعات بالفكر المنحرف وبالسلاح، واحدة من الاستراتيجيات التي يبني عليها التنظيم حضوره؛ لذلك فإن مخلفات التنظيم تتجاوز الحدود، وتترك ندوباً غائرة في بنيان المجتمعات التي استوطنها لسنوات أو حتى لأشهر.
لذلك كله، نجد أنه بين وقت وآخر تنفجر “قنابل موقوتة” تركها التنظيم في المجتمعات التي خرج منها مهزوماً، سواء كانت على هيئة بشر أو على شكل أسلحة ومتفجرات، اعتقاداً منه أن ذلك يوطد نفوذه على المدى البعيد، خاصة أن الرهان على هذه العودة يتطلب إبقاء الجيوب التي تركها التنظيم في حالة نشطة، كما هو الحاصل في عدد من المدن العراقية، مثل الأنبار والموصل وغيرهما من المناطق العراقية، إضافة إلى البادية السورية.
الاستراتيجية الجديدة لتنظيم “داعش”، تتطلب أن يكون هناك تنسيق عسكري وسياسي بين البلدان التي تخوض حرباً ضد التنظيم، خاصة العراق وسوريا، كما تتطلب الخطوة تحصيناً وضبطاً للحدود التي يستغلها عناصر التنظيم للتسلل إلى داخل البلدان، وتنفيذ عمليات إرهابية تذهب بسببها الأرواح وتدمّر فيها الممتلكات.
من هذا المنطلق، تبقى المعركة ضد “داعش” مستمرة، ولن يركن العراقيون ولا السوريون إلى ما تحقق في الحرب خلال السنوات القليلة الماضية؛ بل سيواصلون اجتثاث التنظيم حتى النهاية؛ لأن التوقف عند هذه النقطة ستكون له ارتدادات سلبية وخطرة على الاستقرار الداخلي في البلدين.
ويبدو أن المهمة الكبرى في التخلص من “داعش” ستكون من نصيب العراق، فالمعركة معركته في المقام الأول، والتحالف الدولي الذي أسهم في القضاء على “داعش” في أكثر من رقعة جغرافية، لن يكون سوى عامل مساعد في عملية الرصد والمتابعة للوجهات التي ستتجه إليها عناصر التنظيم؛ إذ أنه من غير المعقول للآلاف من هذه العناصر أن تذوب كالملح بعد خسائره الكبيرة، ولا بد من جيوب تبقى فيها، تحسباً لحرب طويلة أشبه ب”حرب استنزاف”.
المصدر: صحيفة الخليج