الرئيسية / مقالات رأي / الود المفقود في العلاقات المغربية الأسبانية

الود المفقود في العلاقات المغربية الأسبانية

بقلم: صلاح سليماني – صحيفة إيلاف

الشرق اليوم- تراقب أسبانيا تداعيات التغيرات السياسية المغربية الأخيرة بشيء من القلق والحذر، فالمغرب في طريقه إلى التخلص من صداع قضية الصحراء بعد اعتراف ترامب بسيادتها عليها، في وقت تفاجأت فيه أسبانيا بذلك التقارب الكبير في العلاقات الأمريكية المغربية.

لا شك في أن تلك التغيرات المفاجئة على الساحة المغربية لم تأتي من فراغ، بل أتت من حسابات دقيقة كان محركها الأساسي هو إبرام اتفاق تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية، والدور الذي لعبه ترامب لاسيما صهره كوشنر في وضع سيناريو هذا الاتفاق.

المغرب الذي يريد تقوية جبهته الداخلية وضمان سلامة أراضيه يعرف أن ذلك لن يأتي دون مقابل، لذلك لم يفاجئ توقيع الاتفاق المراقبين للشأن المغربي، ثم إن تغير موازين القوى السياسية والعسكرية لصالح المغرب في فض النزاعات حول إقليم الصحراء، ومدينة سبتة وميليلة المغربيتان الخاضعتان للحكم الأسباني لن يتحقق إلا من خلال إبرام اتفاقات دولية تحقق له ذلك.

بالتأكيد طي ملف قضية الصحراء عبر تسوية تتوافق مع المقتراحات المغربية بفرض الحكم الذاتي في الإقليم، واعتراف ترامب بذلك، هو في حد ذاته انتصار كبير للسياسة المغربية، وإضعاف للموقف الأسباني المؤيد لجبهة البوليساريو التي تريد فرض سيادتها على الإقليم، لهذا فإن من شأن هذا التحول الكبير في السياسة الأمريكية أن يشجع المغرب على المطالبة بحقها في مدينتي سبته وميليلة، وهو ما دفع أعضاء بارزين في الحكومة الأسبانية إلى توجيه النقد للموقف الأمريكي الأخير في قضية الصحراء.

بالفعل هذا الانتصار المغربي فتح شهية المغرب لمطالبة أسبانيا بالمدينتين الواقعتين تحت الاحتلال الأسباني منذ القرن السادس عشر، فتاريخيا سقطت المدينتين مع سقوط الحكم الإسلامي في غرناطة في القرن الخامس عشر الميلادي، وأصبحتا تحت الاحتلال الأسباني منذ ذلك التاريخ، ومع الضعف العربي بشكل عام تجمدت المطالبة بهما من قبل حكومات المغرب المتعاقبة، إلا أن المطالبة بهما قد عادت مرة أخرى للأضواء بعد زيارة ملك أسبانيا السابق خوان كارلوس إلى مدينة سبتة في نوفمبر عام 2007، مما أغضب وقتها المغرب، وعادت للمطالبة بالسيادة على المدينتين، لكن سرعان مانتهت هذه المطالبة تحت جثامة المسؤولية، وعدم رغبة المغرب في فتح جبهة جديدة خاصة وأن جبهة الصحراء في الجنوب كانت مفتوحة علي مصراعيها وقتها بدعم من أسبانيا والجزائر.

لم تكن المغرب إذن بمثل هذه القوة السياسية قبل قرار ترامب بشأن الصحراء، وهذا ما تلقفه رئيس الوزراء المغربي الذي قال في حوار تليفزيوني قبل أيام أن ملف سبته وميليلة معلق منذ ستة قرون.. ومن الضروري أن نعود لفتحه مجددا الآن!

هل يمكن بالفعل أن تكون هذه هي الخطوة التالية في ملف السياسة الخارجية المغربية بعد الصحراء؟

الحقيقة أن أسبانيا شعرت بخطورة تصريح الوزير الأول المغربي، فطلبت من السفيرة المغربية في مدريد مزيد من التوضيح حول تلك التصريحات، وقالت وزارة الخارجية الأسبانية إنها تتوقع من شركائها احترام وحدة وسيادة أسبانيا على أراضيها في إشارة إلى سبته وميليلة.

واقع الحال يقول إن موازين القوى تغير بالفعل لصالح المغرب في هذه القضية، فهي من ناحية أخرى على وشك إبرام اتفاق تجاري بينها وبين بريطانيا إثر خروجها من الاتحاد الأوروبي مما يعزز من قوتها الاقتصادية وتشكيل ضغوط اقتصادية على أسبانيا في المجالين الزراعي والبحري، كما أن سيطرة بريطانيا على جبل طارق ستتعزز بتقوية العلاقات مع المغرب التي تربط مطالبتها بسبته وميليله من أسبانيا في كل مرة بمطالبة أسبانيا نفسها بجبل طارق من بريطانيا.
على النقيض من القوة المغربية فإن أسبانيا تشعر بتقلص نفوذها في شمال المغرب، وتراجع دورها بشأن قضية الصحراء التي هي على وشك خسارة كل أوراقها فيها، ورغم أنها انتقدت قرار ترامب بشأن الصحراء إلا أنها لم تصعد من لهجتها المنتقدة للقرار، ولجأت إلى لغة الحوار الهادئ معتبرة أن الأمر الواقع يجب التعايش معه والاستفادة منه لأن لغة التصادم قد تضر بمصالحها، وهذا ما استبقه وزير الداخلية الأسباني قبل أي مطالبات مغربية بشأن سبته وميليله قائلا إن التعاون والتنسيق مع المغرب ممتاز علي جميع الأصعدة، حتى أن هناك أصوات أسبانية دعت جبهة البوليساريو إلى أن يتقبلوا الوضع الجديد، لكن هذا ما لم يرضي الشعبوية والأحزاب اليمينية الأسبانية التي ترى أن أمريكا قد أضرت بمصالحها عندما انحازت إلى قضايا المغرب على حساب أسبانيا، حتى أن البعض أصبح يرى أن أمريكا تعتبر أن العلاقات مع المغرب أصبحت أكثر أهمية لها من أسبانيا وهذا ما دفع المعارضة الأسبانية إلى مهاجمة الحكومة باعتبار أنها حكومة ضعيفة وقفت تتفرج على تطور العلاقات دون أن تفعل شيئا.

الصراع على المدينتين اللتين لا تتعدى مساحتهما بضعة كيلومترات يرجع إلى أهميتهما الاستراتيجية للجانب الأسباني، فأسبانيا لها موضع قدم على الضفة الأخرى من الأطلسي وهي أول حدود برية مباشرة لأوروبا مع القارة الأفريقية، وقد رفضت بعد استقلال المغرب عام 1956 أن تتخلى عنهما، وأصبحت سبته إقليما يتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1995.

بالنسبة للمهاجرين من أفريقيا تتعتبر سبتة وميليلة هي من أكثر بوابات الهجرة إلى أوربا، وكثيرا ما عبرت موجات هجرة جماعية أسوار المدينتين إلى داخل الحدود الأسبانية، وفي سنة 2007 استطاع 850 مهاجر من اقتحام السياج الفاصل والانتقال داخل المدينتين في خلال أربعة أيام.

في النهاية هما مدينتين صغيريتين لكن اهميتهما قصوى لكل الاطراف للمغرب صاحبة الحق، ولأسبانيا لموضع القدم في افريقيا، ولللاجئين المنتظرين عبور الاطلسي للضفة الأخرى.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …