الرئيسية / مقالات رأي / مستقبل أوروبا بعد “بريكست”

مستقبل أوروبا بعد “بريكست”

بقلم: حسام ميرو – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- بعد مفاوضات مرهقة، سادتها أجواء من عدم التفاؤل، تمكنت بريطانيا والاتحاد الأوروبي من الوصول إلى اتفاق ينظم العلاقة بين الطرفين، وأصبحت بريطانيا رسمياً خارج الاتحاد منذ بداية العام الجاري، في خطوة اعتبرها بعض المحللين بطاقة عودة إلى الحرية بالنسبة لبريطانيا، حيث أن انفكاكها من سياسات الاتحاد الأوروبي والتزاماته، سيسمح لها باتباع سياسات أكثر استقلالية بما يخص تحقيق مصالحها الخاصة، بعيداً عن التحالف الاقتصادي السياسي لألمانيا وفرنسا، وبعيداً عن الآليات البيروقراطية لكبار موظفي الاتحاد في بروكسل، أو حتى بعيداً عن الالتزامات المرهقة نحو الدول الأوروبية التي فشلت في إحداث نمو اقتصادي.

 وجدت وجهة النظر التي تقول إن بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي ستكون أفضل من كل النواحي، تأكيداً لها في العام الأخير، من خلال الخلل الذي أصاب الإجراءات الأوروبية الموحدة في مواجهة جائحة فيروس كورونا، وتضارب وجهات النظر بين الأعضاء، بالإضافة إلى زيادة الأعباء المالية على الدول الغنية تجاه الدول الفقيرة، أو التي تعاني مشكلات مالية وهيكلية في الوقت ذاته مثل إيطاليا والبرتغال، وهي أعباء من المحتمل أن تستمر أيضاً خلال العام الحالي، وهو ما يعني أن لندن ستكون بمنأى عن المشاركة في حزم التحفيز التي سيضخها الاتحاد الأوروبي للحكومات والاقتصادات التي أرهقتها إجراءات الحجر، وازدادت فيها معدلات البطالة، وكذلك الحاجة إلى دعم قطاعات واسعة من الشركات والأفراد.

 قد يكون “بريكست” فرصة بالنسبة لألمانيا لتزيد من نفوذها السياسي والاقتصادي في أوروبا، إذ يسمح خروج بريطانيا بتقليل العقبات السياسية أمام برلين في تحديد السياسات العامة للاتحاد الأوروبي، خصوصاً مع زيادة التنسيق في العامين الأخيرين بين برلين وباريس، اللتين باتتا تقودان دفة سياسات الاتحاد، وتعبّران دولياً عن مصالحه، بالنيابة عن باقي الدول الأعضاء، كما أن برلين ما زالت في وضع أفضل بشكل واضح من باريس لجهة قوة الاقتصاد والمال، وذلك مع ناتج محلي سنوي وصل العام الماضي إلى 3.69 تريليون دولار، وتحتل المرتبة الرابعة عالمياً، بينما تحتل فرنسا المرتبة السابعة عالمياً، بناتج محلي قدره 2.58 تريليون دولار، مع أفضلية ألمانية في عدد من الصناعات، خصوصاً الصناعات الثقيلة.

 اقتصادياً وسياسياً، يبدو أن مستقبل أوروبا سيتم تحديده بشكل رئيسي من قبل قيادات برلين وباريس، وهو ما سيسمح لهما برسم سياسات فيها الكثير من التنسيق، لجهة الأهداف، أو من حيث السرعة في الأداء، لكنه في الوقت نفسه سيضع أمامهما الكثير من التحديات غير المسبوقة، إذ سيكون عليهما مواجهة التحولات الأمريكية نحو أوروبا، والتي بدأت في عهد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، والذي فرض قبل أسابيع قليلة حزمة ضرائب جديدة على عدد من الصناعات الأوروبية، وقد يكون من غير المحتمل أن تتخلى إدارة الرئيس جو بايدن عنها، فهذه الضرائب الجديدة، وما سبقها، هي مطالب لعدد من أرباب الصناعات الأمريكيين، لحماية منتجاتهم، وليست فقط ضرائب سياسية.

 القيادة الألمانية للاتحاد الأوروبي تواجه يوماً بعد يوم بتذمر عدد من الشركاء الأوروبيين، فقد تمكنت ألمانيا بفضل اقتصادها القوي من الهيمنة على السوق الأوروبية، وأصبحت تحتكر عدداً كبيراً من الصناعات الحيوية، وتحتل شركاتها الصدارة في عمليات التوزيع، مع انخفاض القدرة لدى الدول الأوروبية الأخرى على المنافسة، وهو ما يسمح لبرلين فرض سياساتها، بل وجعلها مرجعية في حل الخلافات، كما حدث مؤخراً في الخلاف اليوناني – التركي، على خلفية تنقيب تركيا في البحر المتوسط، وهذه الهيمنة غير المسبوقة لبرلين بعد الحرب العالمية الثانية، قد تدفع العديد من الأحزاب الأوروبية نحو تبني شعارات قومية، مطالبة بسن قوانين حمائية، أو حتى الذهاب نحو المطالبة بالخروج من الاتحاد الأوروبي.

 وبخصوص أمن أوروبا، فقد عادت إلى الواجهة أسئلة الدفاع الذاتي، وضرورة الاعتماد على الجيوش الأوروبية أكثر من الاعتماد على الحليف الأمريكي. فالاصطفافات السياسية القديمة في النظام الدولي عانت في العقد الأخير من تحولات وخلل، كما برزت الحاجة إلى تحالفات اقتصادية جديدة، خصوصاً في سوق الطاقة، كما في الشراكة الألمانية الروسية في مجال الغاز، عبر مشروع “نورد ستريم 2″، الذي فرضت واشنطن عقوبات على الشركات العاملة فيه، لمنعها من استكماله، وتحدي ألمانيا للعقوبات، وهو ما يعني رغبة برلين في الإعلان عن استقلاليتها، والأهم تأكيد قوتها.

 أوروبا بعد بريكست أمام مجاهيل كثيرة، فخيار بريطانيا في الخروج من أوروبا قد يصبح خيار دول أخرى، في حال أخفقت القيادة الألمانية – الفرنسية في تحقيق مصالح وأمن المجموعة الأوروبية، وانحازت فقط لمصالح برلين وباريس.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …