الشرق اليوم – بعد سنة على أول زيارة للرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى ميانمار، وصل وزير الخارجية وانغ يي، إلى العاصمة نايبيداو في جولة رسمية تمتد يومَين، تأتي هذه الرحلة إلى ميانمار غداة جولة إفريقية أوصلت وانغ إلى نيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وبوتسوانا وتنزانيا وجمهورية سيشل، ومن المتوقع أن تعطي الأجندة الخاصة بميانمار الأولوية للتقدم المتواصل في مشروع “الممر الاقتصادي بين الصين وميانمار” والجهود الدبلوماسية المرتبطة بمكافحة فيروس “كوفيد – 19”.
تبنّت بكين نموذجاً مختلفاً في تعاملها مع ميانمار في الفترة الأخيرة، ويُركّز هذا النموذج على الاقتصاد والموارد الاستراتيجية والابتكار والتكنولوجيا لتوسيع نطاق نفوذها بدل حصر تركيزها بمجال البنى التحتية. ستبقى التجارة والبنى التحتية على رأس أولويات الأجندة الدبلوماسية طبعاً، لكن تبرز ثلاثة قطاعات مهمة أخرى تضمن تنامي النفوذ الصيني في ميانمار:
الأول يرتبط بالطاقة، حيث فازت الصين بمعظم مشاريع محطات الطاقة الشمسية في ميانمار وتتابع سيطرتها على هذا القطاع، ومن خلال عرض معدل إنتاج بمستوى 0.4 سنتات مقابل كل كيلوواط في الساعة، أصبحت الصين أقوى لاعبة في مجال إنتاج الطاقة في ميانمار، وعقدت شراكات كثيرة مع شركات محلية، حيث توفّر الصين التكنولوجيا في هذه المشاريع ويؤمّن الشركاء المحليون الأراضي لبناء محطات الطاقة الشمسية.
القطاع الثاني يتعلق بالبيع بالتجزئة والمدفوعات بواسطة الهواتف الخليوية، ففي مايو الماضي، أعلنت مجموعة “آنت” المالية الصينية استثمار 73.5 مليون دولار في Wave Money، أهم نظام للدفع والتحويل المالي عبر الهواتف الخليوية في ميانمار، واشترت مجموعة “علي بابا” أكبر موقع إلكتروني تجاري (shop.com.mm) وبدأت تُوسّع أعمالها في مجال البيع بالتجزئة وأسواق الدفع. على صعيد آخر، يتعاون أكبر بنك تجزئة في ميانمار، “كانباوزا”، مع شركة الاتصالات الصينية العملاقة “هواوي” لتوسيع نظام الدفع KBZPay الذي يُعتبر اليوم من أكثر المنصات شيوعاً في ميانمار، وتعمل “هواوي” أيضاً على توسيع خدماتها السحابية بوتيرة متسارعة.
الثالث قطاع “المدن الآمنة”، قد تكون الصين من أولى الجهات الناشطة في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس، لكنها لم تنجح في ترسيخ مكانتها في سوق ميانمار بعد، ونظراً لاحتدام المنافسة مع “إيريكسون”، قد لا تكون “هواوي” اللاعبة المؤثرة الوحيدة حين يُشغّل هذا البلد شبكة الجيل الخامس محلياً، لكن تُهيمِن “هواوي” على مجالات أخرى حتى الآن، فقد سبق أن وافقت على توفير نظام أمني في مشروعَين كبيرَين لبناء “مدن آمنة” في “ماندالاي” و”نايبيداو”، وسيتم تركيب مئات كاميرات المراقبة المزوّدة بتقنية التعرّف على الوجه من إنتاج “هواوي” في كل واحدة من المدينتَين، ويكشف نجاح “هواوي” في هذين المشروعَين الضخمَين أن الشركة لن تجد صعوبة في المشاركة في مشاريع مستقبلية على المستويات الإقليمية والوطنية.
في النهاية، تفضّل نايبيداو أن تقيم التوازن المناسب بين الصين والهند وشركاء آخرين في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ للحدّ من نفوذ بكين في ميانمار، لكن هذه المهمة سهلة لن تكون لا سيما في القطاعات المرتبطة بالتكنولوجيا، ونظراً إلى الدعم القوي الذي تحظى به هذه القطاعات من الحكومة في بكين. تتفوق الصين على منافسيها في المنطقة ولا تستطيع أي جهات أخرى حتى الآن أن تنافس بكين في سوق ميانمار، كذلك، تُشجّع خطة الصين الممتدة على خمس سنوات دعم صناعتها المحلية، مما يسمح بترسيخ هيمنة بكين في ميانمار وتسريع سيطرتها هناك.
ترجمة: الجريدة