بقلم: هشام ملحم – النهار العربي
الشرق اليوم- واشنطن في حالة تأهب وترقب وقلق. وقبل تنصيب الرئيس المنتخب جوزف بايدن ظهر الأربعاء، سوف يصل عديد عناصر الحرس الوطني المنتشرين في العاصمة الى أكثر من 25 الف جندي، في أول مظاهر عسكرية في المدينة بهذا الحجم منذ الحرب الاهلية في ستينات القرن التاسع عشر. ويقول المسؤولون السياسيون والامنيون انهم مصممون على التصدي لاي محاولة تهدف الى عرقلة حفل تنصيب الرئيس الجديد، من قبل عناصر موالية للرئيس ترامب كما حدث في السادس من الشهر الجاري عندما اقتحم جمهور من الرعاع والمتطرفين مبنى الكابيتول لعرقلة التصديق على انتخاب جوزف بايدن، ما ادى الى مقتل ووفاة ستة اشخاص من بينهم شرطيين، والتسبب باضرار مادية هامة. وقبل ايام من حفل التنصيب يتم تسيير الدوريات المسلحة في شوارع المدينة، واقيمت الحواجز للتحقق من خلفيات السكان العائدين الى منازلهم في المناطق المغلقة.
وأقيمت حواجز حديدية عالية في اعلاها اسلاك شائكة حول مناطق حساسة في العاصمة بما في ذلك محيط مبنى الكابيتول حيث سيدلي الرئيس المنتخب قسم اليمين قبل ان يخاطب جمهوراً متواضعاً من المدعويين. وفي الايام الماضية اغلقت شوارع اضافية، واقيمت حواجز الإسمنت أمام بعض مداخل المدينة، ما جعلها تبدو وكأنها مدينة هجرها سكانها هربا من وباء قاتل. في المناطق القريبة من مباني الكونغرس وقف مئات العناصر المسلحة في حالة تأهب. معظم فنادق ومطاعم المدينة مغلقة ، وللمرة الاولى اصدرت رئيسة بلدية واشنطن، وحاكمي ولايتي فيرجينيا وماريلاند اللتين تحيطا بالمدينة بيانا مشتركا حثوا فيه المواطنين الأميركييين على عدم زيارة عاصمتهم.
وفي بعض عواصم الولايات التي كانت فيها نتائج الانتخابات متقاربة وموضع خلاف بين الحزبين، مثل ويسكونسن وجورجيا وبنسلفانيا، تم إغلاق المباني الرسمية وتحصين نوافذها بالواح سميكة من الخشب وانتشر حولها عشرات من جنود الحرس الوطني ورجال الشرطة الذين أحاطوا بعرباتهم المسلحة. ويتوقع المسؤولون الفدراليون والمحليون مواجهة مظاهرات احتجاجية من أنصار ترامب المسلحين الذين يدّعون ان انتخاب بايدن كان نتيجة للغش والتزوير، خلال الايام السابقة لحفل التنصيب وخلال حفل التنصيب. ويوم السبت تجمع عشرات المتظاهرين المسلحين في موقف للسيارات قبالة المقر الرسمي لعاصمة ولاية تكساس في مدينة أوستن، حيث راقبهم حراس المقر وهم يجمعون أسلحتهم المختلفة ويرتدون بذاتهم الواقية من الرصاص، ويجربون أجهزة الاتصال وغيرها من المعدات، وكأنهم قوة عسكرية نظامية تحضر لمعركة. ولاية تكساس من بين عدد من الولايات التي تسمح لسكانها بحمل الأسلحة علنا. وفي عواصم ولايات أخرى نظام أنصار ترامب تظاهرات مماثلة، من المتوقع أن تتوسع أكثر مع اقتراب ظهر الأربعاء حين يصبح جوزف بايدن الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة.
خلال حفلات التنصيب في الظروف العادية تجذب واشنطن مئات الالاف من المواطنين الذين يأتون الى العاصمة لحضور حفل التنصيب أو عشرات الحفلات الليلية التي يقيمها أنصار الحزب الفائز بالرئاسة، ويتحول حفل التنصيب الى فرصة لقطاع السياحة في واشنطن والولايات المجاورة التي تستفيد ماليا من انفاق الوافدين. هذه السنة، بعد ان تعرض اقتصاد المنطقة الى نكسة اقتصادية هامة بسبب فيروس كورونا، يواجه الآن تراجعا كبيرا ومفاجئا.
وتواصل الأجهزة الأمنية وتحديدا مكتب التحقيقات الفدرالي (الاف بي آي) في واشنطن والولايات الأخرى تحقيقاتها المكثفة بخلفيات المتطرفين الذي اجتاحوا مبنى الكابيتول، وخاصة بعد بث أشرطة فيديو عديدة سجلها الكثير من الذين اقتحموا الكابيتول، وتم توجيه تهم الى حوالي مئة شخص، ومن المتوقع ان يرتفع العدد الى المئات في الاسابيع المقبلة. وتتركز التحقيقات على ما اذا كان هناك قيادة منظمة خططت للاجتياح، وهو ما أوحت به بعض الاشرطة، وما اذا كان هناك تنسيق مسبق بين الفئات المهاجمة وأعضاء جمهوريين متشددين في مجلس النواب. كان عدد من الأعضاء الديموقراطيين قد لاحظوا جولات مشبوهة لبعض الأعضاء الجمهوريين مع زوار لهم قبل يوم من احتلال الكابيتول. وللمرة الاولى أعرب بعض أعضاء مجلس الشيوخ من الديموقراطيين وعدد ضئيل من الجمهوريون الذين صوتوا لمحاكمة واقالة ترامب من أن يتعرضوا للاعتداء من قبل أعضاء جمهوريين يمينيين بعضهم يصر على حمل مسدساتهم الى قاعات المجلس.
وكشفت صحيفة “الواشنطن بوست” أن وحدة الاستخبارات التابعة لشرطة الكونغرس وضعت تقريرا من 12 صفحة قبل ثلاثة أيام من الاجتياح توقعت فيه أن تستهدف الجماعات المؤيدة لترامب ”الكونغرس بذاته” بسبب تحريض ترامب والمنظمات التي تؤمن بتفوق العنصر الأبيض لهم. ولكن يبدو ان التقرير لم يحظ باهتمام كاف من قبل المسؤولين ولم يتم توزيعه على الأجهزة الأمنية الأخرى.
وهناك مخاوف في الأوساط السياسية من أنه إذا لم يتم التصدي سياسيا وأمنيا لهذه الظواهر الاجتماعية المريضة في المجتمع الأمريكي والمتمثلة بالتحدي الأمني المتزايد الذي يمثله العنصريون البيض، فإن البلاد سوف تشهد حالة دائمة من التمرد والاضطرابات من قبل هذه الجماعات التي عزز من مكانتها وقوتها الرئيس ترامب.
وكشف اجتياح الكابيتول والعنف الذي صاحبه عمق الأضرار النفسية والاجتماعية التي جسدّها وعبر عنها الرئيس ترامب خلال ولايته وخاصة هجماته ضد المؤسسات الشرعية، وتعاطفه العلني مع العنصرين البيض، واستهتاره بحقوق الاقليات والمهاجرين، وشيطنته للحزب الديموقراطي، وكيف انعكست ثقافة الشيطنة هذه على العلاقات العائلية والشخصية.
وقبل الهجوم على الكابيتول بيومين، القى ترامب خطابا في ولاية جورجيا حّذر فيه انصاره من ان فوز الديموقراطيين بالرئاسة والكونغرس سوف يعني ” نهاية أمريكا كما نعرفها” وذلك في اشارة ضمنية الى أمريكا البيضاء والمسيحية.
وفي اعقاب عنف الكابيتول اظهرت التحقيقات مدى معاناة عائلات عديدة اضطرت فيها ابنة شاهدت أمها تقتحم الكابيتول للاتصال بالسلطات الأمنية لتشي بها، أو كيف قامت مطلقة رأت زوجها الكولونيل المتقاعد الذي عاشت معه لثمانية عشرة سنة، وهو يقود المهاجمين، بالاتصال بالاف بي آي لتعطيهم اسمه ومعلومات أخرى عنه. هذه عينة صغيرة من ظاهرة جديدة غريبة كليا عن المجتمع الأمريكي. ويقول الخبراء في علم النفس والاجتماع أن جائحة كورونا التي أرغمت الملايين على البقاء في منازلهم وقضاء ساعات طويلة في متابعة العالم الافتراضي وخاصة فايسبوك وغيره من وسائل الاتصال الاجتماعي ساهمت في نشر نظريات المؤامرة، التي انتشرت بشكل سريع ومقلق للغاية خلال سنوات دونالد ترامب الأربعة في البيت الأبيض حين أصبح الرئيس الأمريكي ذاته من أبرز مروجيها.