بقلم: مصطفى فحص – الحرة
الشرق اليوم- مما لا شك فيه أن فشل الأجهزة الأمنية الروسية في عملية إغتيال المعارض الكسي نافالني منحته فرصة جديدة لاستكمال مواجهته لسلطة الكرملين، وفي تحد مباشر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تقلصت خياراته القانونية وغير القانونية في إسكات أو التخلص من أبرز معارض له، تحول إلى ظاهرة لم يعد ممكنا تطويقها أو التقليل من مخاطرها.
سابقا اعتادت أجهزة الكرملين البوليسية إما على تصفية المعارضين أو اعتقالهم أو دفعهم إلى مغادرة البلاد، بعد أن تكون قد فككت أدواتهم السياسية والمالية، عبر ما تمتلكه من ملفات استخدمتها في ابتزازهم بهدف مقايضتهم ما بين السكوت أو الرحيل لتجنب ما هو أسوأ. أما في حالة نافالني فقد عجزت هذه الأجهزة التي أرعبت الروس في الزمنين السوفياتي والحالي من دفع نافالني إلى التراجع أو المساومة، بالرغم من أنها جربت في مواجهته كافة ما تملكه من أدوات من الاغتيال إلى الإعتقال حتى ترتيب الملفات.
منذ أن أعلن نافالني نيته العودة إلى روسيا يوم الأحد المقبل، لوحت أجهزة الدولة الروسية بملفات جنائية ضده، وأعلن محققون روس عن فتح تحقيق بشأن مزاعم أنه أساء إستخدام 4.8 مليون دولار من التبرعات لمنظمته غير الربحية تصل عقوبتها إلى السجن 10 سنوات، وبناءا على هذه الدعوة أصدرت مصلحة السجون الفيدرالية الروسية في منطقة موسكو بيانا أكدت فيه أنها “ملزمة باتخاذ جميع الإجراءات لاعتقال نافالني بانتظار قرار المحكمة بتحويل الحكم الصادر بحقه مع وقف التنفيذ في عام 2014 في هذه القضية إلى عقوبة بالسجن”.
في وقت سابق من هذا الأسبوع، طلبت السلطات من المحكمة في موسكو تحويل الحكم الصادر بحق نافالني (مع وقف التنفيذ) بتهمة الاحتيال إلى (سجن حقيقي) لانتهاكه شروط عقوبته وتذرعت مصلحة السجون في تبرير قرارها بأن نافالني تخلف في الفترة الأخيرة عن مراجعتهم مرتين في الشهر كجزء من فترة الاختبار التي انتهت في 29 ديسمبر من العام الماضي، قرار المحكمة استبدال عقوبة السجن مع وقف التنفيذ في قضية إيف روشيه بالسجن الفعلي، هي أول إشارة رسمية إلى نيّة السلطات الروسية سجنه إذا قرر العودة.
من جهته حمل نافالني الرئيس الروسي شخصيا التخطيط لاعتقاله، وكتب على حسابه في موقع تويتر يوم الثلاثاء الفائت إن “بوتين غاضب للغاية لدرجة أنني نجوت من تسميمه لدرجة أنه أمر جهاز الأمن الداخلي بالذهاب إلى المحكمة والمطالبة بتغيير عقوبتي الموقوفة إلى عقوبة فعلية”.
تصعيد نافالني ضد بوتين حشر الأخير في زاوية صعبة، وحصر خياراته بين منعه من دخول روسيا أو اعتقاله لفترة طويلة، فليس من السهل على إدارة الكرملين التعامل من موقع الضعف أو أن يظهر الرئيس الروسي مكبلا غير قادر على التعامل الصارم مع أكبر معارضيه والسماح له بالعودة الحرة إلى روسيا، إلا أن مخاوف صناع القرار الروسي تكمن بأن أي تحرك ضد نافالني في المرحلة المقبلة سيحوله إلى شخصية عالمية ويعزز مكانته داخل المعارضة غير المدجنة. وقد وصفت المحللة السياسية الروسية تاتيانا ستانوفايا لوكالة فرانس برس حالة الكرملين وكيفية تعاملة مع هذه المعضلة بأنه “ليس هناك قرار جيد هنا لكن يجب إتخاذ قرار ما”.
أبرز التعليقات على إعلان نافالني نيته العودة جاءت من رجل الأعمال الروسي القريب من الكرملين والملقب بـ “طاهي بوتين” يفغيني بريغوزي، إن نافالني “يجب أن يكون رجلاً ويعود إلى الوطن”.وقال بريغوجين في تصريحات نقلتها وسائل إعلام روسية “استغل وقتك وأخرج للحرية بضمير مرتاح”.
من الواضح أن الكرملين لا يرغب بعودة نافالني، خصوصا بعد أن لفتت قضية تسميمه انتباه الرأي العام الدولي ضد روسيا، وسهلت عليه التواصل مع صناع القرار الدوليين خصوصا أثناء إقامته في برلين، إذ زارته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في المستشفى أثناء تلقيه العلاج بعد عملية تسميمه، وإجماع الدول الأوروبية على إدانة العملية وفرض عقوبات على شخصيات روسية بارزة يشتبه في ضلوعها بعملية الاغتيال الفاشلة.
ما يؤرق الكرملين أن نافالني الذي تحول إلى رمز للمعارضة سيؤثر في المستقبل القريب على الإنتخابات النيابية المقبلة هذا العام، وسط أزمة إقتصادية وصحية فشل الكرملين في إدارتهما، إضافة إلى حذر شديد بأن تستغل الإدارة الأميركية الجديدة ملفات حقوق الإنسان وقمع المعارضين في الضغط على روسيا.
ذهب بوتين آلاف الكيلومترات من أجل المساهمة في قمع الربيع العربي وفي مواجهة الثورات الملونة خوفا من أن تنتقل إلى روسيا، ويرفض الاعتراف أو التعامل مع أي معارضة تفرزها تلك الثورات، لكنه الآن يواجه محنة صعبة تحت أسوار الكرملين.