الشرق اليوم- بعدما اقتحم مناصرو الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة، تصدّر هاشتاغ “أميركا تحترق” موقع “تويتر” في تركيا لكنه لم يكن تعبيراً عن القلق بل عَكَس مشاعر طاغية من الشماتة، حيث يشعر عدد كبير من الأتراك بعداء قوي تجاه الولايات المتحدة، فبنظر الكثيرين، تحصد واشنطن اليوم ما تستحقه بعد الذل الذي ألحقته بدول أخرى أكثر ضعفاً منها على مر عقود طويلة، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور مناصري ترامب بملابسهم الغريبة وتمثال الحرية وهو يضع جهاز تنفس اصطناعي، وقوبلت هذه المشاهد بالسخرية والبهجة، وذكرت تغريدة نموذجية: “لعنات الأطفال الذين ذبحتموهم بدأت تتحقق للتو”، وأضافت تغريدة أخرى: “فلتحترق، فلتحترق، فلتحترق”!
هذه المشاعر ليست غريبة في الشرق الأوسط، حيث اكتسبت واشنطن عدداً كبيراً من الأعداء بسبب تدخّلها العسكري هناك ودعمها غير المشروط لإسرائيل، لكن تلك المشاعر تحتدم في تركيا تحديداً نظراً إلى الدعم الأميركي الواضح للضباط الفاسدين الذين حاولوا إسقاط الرئيس المُنتخب رجب طيب إردوغان بطريقة دموية في 2016 وفشلوا في مساعيهم: عمد وزير الداخلية التركي العدائي سليمان صويلو إلى نشر هذه النظرية على نطاق واسع، إذ تأثّر الوضع أيضاً بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على أنقرة في ديسمبر بعد شرائها الصواريخ الروسية “إس-400” ودعم البنتاغون للمقاتلين من أكراد سورية الذين تعتبرهم أنقرة إرهابيين.
في عالم نظريات المؤامرة الشائع في تركيا، لاحظ البعض نقاط تشابه بين ترامب وإردوغان لأن الرجلَين يعتبران أنفسهما ضحايا. يشتق التعاطف مع ترامب من إعجاب هذا الأخير بنظيره الشعبوي، فحرص الرئيس الأميركي المنتهية ولايته على حماية الرئيس التركي من مجموعة عقوبات محتملة في معظم فترات عهده، وتساءل الصحافي هلال كابلان من صحيفة “صباح” التركية، وهو من أشرس مناصري إردوغان: هل سيُعلّق “تويتر” حساب الرئيس إردوغان أيضاً كما فعل مع ترامب؟ وهل يُعقَل أن ترفض قوى معينة نتائج أي انتخابات تخسرها؟ وهل ستسارع المنصات العملاقة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل “تويتر”، إلى إنقاذها في هذه الحالة؟
حتى رئيس البرلمان التركي مصطفى سنتوب لم يمتنع عن الشماتة بالوضع الأميركي، فدعا “جميع الأطراف في الولايات المتحدة إلى الاعتدال واستعمال المنطق لتجاوز هذه الأزمة السياسية المحلية”، لكن لم تتحمّل سامانثا باور، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة في عهد باراك أوباما، هذا الموقف فغرّدت قائلة: “إردوغان وقادة آخرون من أمثال فلاديمير بوتين وشي جين بينغ انتظروا طويلاً كي يصدروا هذا النوع من التصريحات”.
ثم ردّ عليها كابلان قائلاً: “نحن نردّ لكم الجميل بكل بساطة يا سامانثا، تستطيع تركيا أن تُعلّمكم الكثير حول الانقلابات بفضل الولايات المتحدة، لكن إردوغان تغلّب على الانقلاب الأخير، ولا شك أن فوزه كان صعباً عليكم”.
في غضون ذلك، تفاخرت قناة “تي آر تي وورلد” (قناة حكومية ناطقة باللغة الإنكليزية ونادراً ما تنشر مواقف المعارضة التركية) بإجراء مقابلة مع زعيم جماعة “الفتيان الفخورين” إنريكي تاريو.
في هذا السياق يقول نيكولاس دانفورث، باحث مرموق في “المؤسسة اليونانية للسياسة الأوروبية والخارجية” في أثينا: “بالنسبة إلى الحكومة التركية والأنظمة الأخرى، كانت الأحداث الأخيرة فرصة مناسبة لمهاجمة الخصوم وتحويل الانتباه عن أفعالهم الخاصة”.
صرّح دانفورث لموقع “المونيتور”: “بالنسبة إلى جهات كثيرة أخرى كانت تسمع المحاضرات الأميركية المتغطرسة والمنافِقة عن الديمقراطية، من المبرّر أن تكون الأحداث الأخيرة سبباً للشماتة، لكن من اللافت أيضاً أن تُعبّر أصوات تقدمية معينة ومنظمات غير حكومية، تنشط في مجال حقوق الإنسان وكانت الأكثر انتقاداً لمظاهر الاستبداد في تركيا، عن قلقها من التطورات الأخيرة في الولايات المتحدة”.