الرئيسية / مقالات رأي / إيران والاتفاق النووي… جدل الخروج والبقاء

إيران والاتفاق النووي… جدل الخروج والبقاء

بقلم: حسن فحص – اندبندنت عربية

الشرق اليوم– لم يحدث أن شهدت الساحة الإيرانية تبايناً في المواقف كما هو حاصل في الأشهر الأخيرة حول ملف يرتبط بعلاقة إيران مع المجتمع الدولي. وهو تباين وصل حدود الانقسام العمودي، إلا أن المرشد لا يزال حتى الآن ممسكاً بإبعاده ويمنع تحوله إلى واقع في الحياة السياسية حتى لا ينسحب على مستويات أخرى داخلية، يعتقد المرشد أنها تشكل ضرراً في صورة النظام ومظاهر الوحدة الوطنية التي يتمسك بها لتعزيز مواقفه ومواقعه أمام الضغوط الخارجية التي يتعرض لها.

ولعل الخلاف الذي تفجر بين السلطة التنفيذية، ممثلة بحكومة الرئيس حسن روحاني والبرلمان “الثوري” المتشدد، بعد خطوة الأخير بإقرار قانون “الخطوات الاستراتيجية لإلغاء العقوبات”، وصل إلى مرحلة لا يتردد أي من طرفي الصراع بنصب الكمائن للطرف الآخر، لفتح النار عليه من بوابة الدفاع عن الصلاحيات ومبدأ فصل السلطات الدستوري من جهة الحكومة، والتمسك بالدور الرقابي والتوجهي الذي يتسلح به البرلمان ورئيسه الجنرال محمد باقر قاليباف.

فقاليباف الطامح للانتقال من رئاسة السلطة التشريعية إلى تولي رئاسة الجمهورية والسلطة التنفيذية، التي طالما شغلته وهيمنت على كل تحركاته ومواقفه منذ عام 2005، وترشحه للمرة الأولى في مواجهة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، ولاحقاً في مواجهة روحاني، قد يكون قد فاته بأن المعركة التي يخوضها في إضعاف موقع رئاسة الجمهورية وتقييد صلاحياتها، إنما يؤسس لتحوّل جذري في طبيعة النظام والمؤسسات الدستورية وخصوصاً السلطة التنفيذية، وأنه سيكون أكثر تقييداً في صلاحياته وأدواره ومواقفه في حال كتب أو قيض له أن يكون مرشح إجماع الأحزاب والتيار المحافظ وتأييد مباشر أو غير مباشر من المرشد الأعلى.

إلا أن المسار الذي تسلكه التطورات السياسية الداخلية، تكشف عن وجود مساع جادة لدى التيار المحافظ وأحزابه لتكرار التجربة التي حصلت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مرة جديدة في الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 يونيو (حزيران) 2021. تلك التجربة التي سمحت بتشكيل مجلس مطيع ويعمل في إطار توجيهات وإدارة المرشد وقيادة النظام، وأن المطلوب في المرحلة المقبلة وصول رئيس جمهورية وسلطة تنفيذية، يلتزم بتوجيهات القيادة ولا يعارضها أو يرى خلافاً لرأيها في ما يتعلق بمختلف المستويات الداخلية والخارجية. من هنا تصبح الخلافات والصراعات القائمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مدخلاً لإعادة تأهيل موقع رئاسة الجمهورية ليكون على غرار البرلمان، سلطة مطيعة وتعمل على تنفيذ التوجيهات والسياسات التي ترسم لها من خارجها.

وبالعودة إلى الصراع أو الخلاف القائم بين هاتين السلطتين حول الخطوات المتعلقة بالاتفاق النووي، فقد تفجرت مع إصدار روحاني وحكومته المراسيم التطبيقية للقانون النووي الذي أقره البرلمان، والتي ترك فيها روحاني الخيار للإدارة المعنية باتخاذ الخطوة المناسبة بناء على التطورات المرتبطة، أي رفض بشكل غير مباشر للمسار الذي أراد البرلمان رسمه في موضوع الاتفاق النووي، وسلب روحاني صلاحية التعامل مع الاتفاق النووي من موقعه كسلطة تنفيذية وكرئيس للمجلس الأعلى للأمن القومي. ما استدعى من المرشد التدخل مباشرة للحد من تصاعد هذه الخلافات، داعياً الطرفين إلى ضرورة الحوار الداخلي قبل التفكير في الحوار مع الخارج، في إشارة إلى التفاوض مع الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية حول البرنامج النووي. متخذاً موقفاً منحازاً للبرلمان في تأييده للقانون، الذي أقر لأهميته في الدفاع عن مصالح إيران الاستراتيجية.

ويبدو أن جماعة البرلمان تصر على الذهاب إلى أقصى الحدود في إحراج حكومة روحاني وفريقه المفاوض والدبلوماسي، ومحاولة سلبه ما تبقى له من صلاحيات في قيادة الإجراءات المتعلقة بالاتفاق النووي، خصوصاً تلك التي أعلنت عنها الحكومة تحت عنوان “خطوات تقليص الالتزامات”، والتي بدأتها قبل سنة وبلغت حالياً مرحلتها الخامسة مع إعلانها رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المئة، والعمل على تركيب أجهزة طرد مركزي جديدة من نوعي IR2M وIR6 في منشأتي “فردو” و”نطنز”. فحاولت رئاسة البرلمان اعتبارها أو توصيفها بأنها تلبية لمقتضيات القانون الجديد، وأنها استطاعت فرض رؤيتها على الحكومة وإجبارها على تنفيذ القانون بالشروط التي حددها.

ولم تقف الأمور عند هذه الخطوة، بل جاء إعلان عضو مكتب رئاسة البرلمان أحمد أمير آبادي فراهاني أن إيران ستعمد إلى طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إيران بعد تاريخ الـ21 من فبراير (شباط) 2021، إذا لم تُرفع أو تُلغى العقوبات ضد إيران. ما دفع الحكومة على لسان المتحدث باسم الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية بهروز كمالوندي، وكذلك المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زادة، للتأكيد على التزام إيران بعمليات التفتيش الدولية، إلا أن أي خطوة تتعلق بتقليص التعاون في مجال التفتيش ستكون في حال حصولها، مقتصرة على التعاون في مجال التفتيش الإضافي الذي يفرضه تطبيق إيران الطوعي لبرتوكول التفتيش المباغت، أي لا وجود لعملية طرد أو وقف التعاون، وهذه الخطوة إذا حصلت ستكون في إطار ما أعلنته الحكومة من سياسة تقليص الالتزامات، ولا تدخل في إطار مندرجات القانون الذي أقره البرلمان.

إصرار رئاسة البرلمان على ملاحقة الحكومة وعرقلة كل الجهود التي تقوم بها في إطار تعزيز موقف إيران التفاوضي أمام واشنطن، كان الحري بهذه الرئاسة أن تلتفت إلى أن التاريخ الذي حددته لوقف التعاون مع المفتشين وإخراجهم من إيران في 21 فبراير، يتزامن مع اليوم العالمي “للغات الأم”، وأن تعمد إلى المطالبة بتطبيق المادة 15 من الدستور، التي تؤكد على حقوق الشعوب غير الفارسية بتعلم لغتها الأم داخل الوطن الإيراني، لأن في ذلك تلبية لجزء من مطالب هذه الأقليات القومية دستورياً، بما يعزز من الوحدة الداخلية ويعزز مواقفه أمام المطالب الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بحيث تسهم في نزع الكثير من فتائل التفجير التي تهدد استقرار النظام.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …