الشرق اليوم – استنزف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أجندته السياسية بالكامل، حتى أنه لم يستفد من أحدث استفتاء “لإعادة ضبط” برنامجه السياسي، قد يبقى بوتين في السلطة لفترة معينة، لكنه أصبح منذ الآن رئيساً “صُوَرياً” أو زعيماً منتهية ولايته بنظر الكثيرين، فلا أحد يتوقع أن يتحسن البلد في ظل بقاء بوتين في السلطة، ولا حتى الموالين له.
يستطيع بوتين أن يترشّح قانونياً لإعادة انتخابه في 2024، لكنه قد يفضّل التنحي وتسمية خلف له، فغداة الاضطرابات الواسعة التي سبّبتها محاولة الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، البقاء في السلطة، يدرك بوتين أن الأحداث نفسها قد تتكرر في بلده، فالشعب الروسي بدأ يسأم منه.
تتخذ التغيرات الحاصلة في الأحزاب السياسية الروسية أهمية خاصة في المرحلة التمهيدية لانتخابات مجلس الدوما، حيث تطغى نزعتان أساسيتان على الوضع:
النزعة الأولى تتعلق بتطرف المسؤولين في أدنى مراتب الحزب الشيوعي، ثاني أكبر حزب في البلد، وهذا العامل يزيد الضغوط على قيادة الحزب كي تتخذ مواقف شائكة ضد النظام الحاكم، ولهذا السبب صوّت الحزب الشيوعي ضد استفتاء بوتين في البداية ثم طرح تعديلات دستورية بديلة ونظّم استفتاءً آخر، وتقضي أحدث مبادرة أطلقها هذا الحزب بتدريب مليون مراقب لمنع السلطات من تزوير نتائج التصويت في انتخابات مجلس الدوما.
أما النزعة الثانية، فتتعلق بظهور حزب يميني قوي اسمه “الشعب الجديد”، وقد أثبت قدرته على الفوز في الانتخابات، ومن خلال السماح لحزب يميني بالتسجل والمشاركة في أحدث حملة انتخابية، أثبت الكرملين رغبته في وقف تآكل قاعدته الاجتماعية.
من الواضح أن بوتين لا يريد أن يصبح الناخبون اليمينيون متطرفين وهو يدرك أن منحهم التمثيل السياسي الذي يريدونه هو الحل الوحيد لتجنب الأسوأ.
بعيداً عن المشهد السياسي الذي يحاول الكرملين فرضه، تتمحور أبرز أحداث السنة الماضية حول ألكسي نافالني، الذي أدى تسميمه إلى تقوية موقعه، فنجح في ترسيخ مكانته لأنه نجا من الموت ثم فضح وأهان من خططوا لقتله.
قد تؤثر عودة نافالني إلى روسيا على الوضع الراهن، فالتداعيات المتوقعة مع اقتراب بدء حملة انتخابات الدوما هي أن تشتدّ الاضطرابات السياسية، ونظراً إلى توسّع المزاج الاحتجاجي في روسيا اليوم، لا يملك الكرملين الأدوات اللازمة لمحاربة استراتيجية “التصويت الذكي” التي يعتمدها نافالني باستثناء الموارد الإدارية والضغوط التكتيكية التي يستعملها المسؤولون الأمنيون الذين يحملون جذوراً سوفياتية، قد تعمد السلطات إذاً إلى اعتقال نافالني بكل بساطة عند عودته إلى روسيا، مع أنها تدرك أن الاحتجاجات ستندلع حتماً في هذه الحالة وتفرض ظروفاً غير محبذة قبل الانتخابات. قد تكون الاحتجاجات القوية والمتواصلة وغير المتوقعة في خاباروفسك أهم حدث في السنة، وبسبب تلك التظاهرات، لم يستطع الكرملين أن يزعم أن سكان موسكو وحدهم يتحركون لأسباب سياسية، ومن المعروف أن ما حصل في خاباروفسك قد يتكرر مجدداً في أي مكان آخر من روسيا.
خلال المرحلة التمهيدية لانتخابات مجلس الدوما، يجب أن يتذكر الجميع أن الناخبين الروس يمليون إلى دعم النظام الحاكم في الانتخابات كلما بدا لهم هذا النظام مستقراً وقوياً والعكس صحيح.
في هذا السياق، يوحي الوضع الراهن بأن الظروف تصبّ في مصلحة المعارضة، ولا يقتصر السبب على توسّع النزعة إلى تنظيم الاحتجاجات، بل يرتبط أيضاً بمسار التاريخ، ففي السابق كانت الظروف السياسية تُرجّح كفة الكرملين دوماً مقابل تهميش جميع المعارضين بسبب غموضهم السياسي، لكن يبدو أن الظروف انقلبت اليوم، وتسود قناعة واسعة مفادها أن النظام استنزف نفسه وأن التغيير أصبح حتمياً، فقد حان الوقت كي ينسحب الموالون للكرملين من الساحة السياسية، كما يفعل الكثيرون اليوم، مقابل عودة المعارضة إلى الواجهة.
من المتوقع إذاً أن تحقق المعارضة نتائج قوية في انتخابات مجلس الدوما المرتقبة، وإذا حاولت السلطات أن تعوق مسارها عبر رفض تسجيل أقوى مرشّحي المعارضة، فقد تندلع الاحتجاجات على الأرجح، وعلى عكس التحركات التي تلت انتخابات مجلس الدوما في مدينة موسكو، قد تتجاوز التظاهرات هذه المرة حدود العاصمة.
ترجمة: الجريدة