الشرق اليوم- مؤمنون بنظريات المؤامرة، وجنود سابقون، ومنتخبون جمهوريون، رجال ونساء أغلبيتهم الساحقة من البيض، كل ذلك كان يوم الأربعاء في واشنطن في معركة مبنى الكونغرس، وحتى رفاق السوء من أصحاب الملايين كانوا أيضا هناك.
وقالت صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية: إن مكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي” (FBI) في واشنطن جمع صور مثيري الشغب الذين اجتاحوا مبنى الكابيتول يوم الأربعاء السادس من يناير/كانون الثاني الجاري، وأنشأ معرضا ملونا من النشطاء المتطرفين المتحمسين الذين لا يفكرون أصلا في إخفاء هوياتهم.
غير أن مراسل الصحيفة في نيويورك أرنو لوبارمانتييه رأى أن المعرض تنقصه صورتان (علما أن التحقيق القضائي يتعلق بمن دخلوا المبنى فقط لا بالمحرضين): الأولى صورة الرئيس دونالد ترامب الذي أرسل قطعانه إلى مبنى الكونغرس، ووعد في لحظة معينة بمرافقتهم. والأخرى صورة أشلي بابيت الجندية السابقة المؤيدة له بحماس، والتي كانت الوحيدة التي قُتلت بالرصاص.
وشوهدت أشلي في مقطع فيديو نشرته صحيفة واشنطن بوست (The Washington Post) ضمن حشود تحاول دخول مقر رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي، وكانت تحاول عبور نافذة عندما انطلقت رصاصة الشرطي الذي أصابها قبل أن تموت في المستشفى.
وقبل فترة وجيزة، صورت أشلي نفسها في مقطع نشر على فيسبوك بعد الاستماع إلى كلمة للرئيس ترامب، وهي تقول “كان من الرائع رؤية الرئيس يتحدث، الآن نحن نسير نحو مبنى الكابيتول”. وكانت هذه آخر الرسائل على حساب هذه الناشطة على وسائل التواصل الاجتماعي، كما يقول المراسل.
فهذه المرأة البيضاء “ذات الأصل المتواضع”، والتي انتخبت باراك أوباما في السابق -كما يقول المراسل- أمضت 14 عاما في القوات الجوية، وعملت في العراق وأفغانستان والإمارات، وفي منطقة واشنطن، ولكنها كانت شديدة المزاجية، مما عكّر علاقتها برؤسائها، فتركت الجيش عام 2016 برتبة متواضعة.
ولم تكن حياة هذه الناشطة المدنية أحسن حظا -كما يبدو لمراسل الصحيفة- من حياتها العسكرية؛ إذ كانت تدير شركة لصيانة أحواض السباحة فاشلة ماليا، قبل أن تلقي بنفسها بتهور في النشاط السياسي، بأكثر من 8600 تغريدة، ومقاطع فيديو عنيفة، وخطب كراهية ضد كامالا هاريس نائبة الرئيس المنتخب جو بايدن، وهاجمت هيلاري كلينتون المنافسة السابقة لترامب في الانتخابات الرئاسية 2016.
وتصف أشلي كوفيد-19 بأنه “مزحة سخيفة”، وتوضح عند مدخل مقر عملها -المعروف باسم أميركا- أن هذه “منطقة حرة خالية من الأقنعة”، وكانت تتشوق إلى يوم السادس من يناير/كانون الثاني منذ فترة طويلة، وتقول “لن يوقفنا شيء، يمكنهم المحاولة مرارا وتكرارا، لكن العاصفة هنا وستنزل فوق واشنطن في أقل من 24 ساعة: من الظل إلى النور”.
وماتت أشلي “شهيدة” في نظر “الترامبيين”، وقتل معها 3 من رفاقها في ظروف مختلفة، كما قُتل شرطي بعد إصابته بجراح على أيدي متظاهرين ضربوه بطفاية حريق، كما نُشر في الصحافة.
وقال المراسل: إن مطاردة مثيري الشغب مستمرة، وأشار إلى أن ملابسهم تعكس حضورا كبيرا للقوات شبه العسكرية والنازيين الجدد، من أمثال ذلك الرجل ذي اللحية الطويلة الذي يرتدي قميصا يحمل عبارة “أوشفيتز.. العمل يمنحك الحرية”. في إشارة إلى الشعار المكتوب عند مدخل معسكر الإبادة النازي الشهير بأوشفيتز.
وتلقى مكتب التحقيقات الفدرالي أكثر من 40 ألف تقرير من الأميركيين، وأصدر تهما ضد أكثر من 120 من مثيري الشغب، قد تصل عقوباتها إلى 5 سنوات من السجن بالنسبة لأعمال الشغب، و10 سنوات لإتلاف معدات تزيد قيمتها على ألف دولار أو للتمرد.
غير أن الشخصية الأكثر شهرة -حسب المراسل- هي بلا شك جاكوب أنتوني تشانسلي (32 عاما)، المعروف أيضا باسم جيك أنجيلي أو كيو أنون شامان، وهو من ولاية أريزونا، حيث انتشرت شبكات كيو أنون التآمرية، وهو يعتمر قبعة من الفراء ذات قرنين وصدره عار، وهو موشوم، ووجهه ملون بألوان العلم الأميركي، وقد أثار مظهره اهتمام الصحافة قبل اجتياح المبنى.
ظهر هذا الرجل في شريط فيديو وهو يتحدث عن تآمر محافظي البنوك المركزية، وزعم أنهم أنشؤوا مقرا تحت جبال سويسرا، وهم يسعون من هناك لاستعباد العالم، ورغم اعتقاله بتهمة الدخول غير القانوني لمبنى الكابيتول، فهو يرى أن ما فعله ليس فيه أي خطأ لأن المبنى عمومي وممول من ضرائب المواطنين الذين هو واحد منهم.
أما ثالث مشاهير مثيرين الشغب -كما يرى مراسل الصحيفة- فهو ذلك الرجل الذي وضع قدميه على طاولة بمكتب نانسي بيلوسي، إنه ريتشارد بارنيت (60 عاما)، وقد استسلم للسلطات في أركنساس يوم الجمعة.
ويحاكم بارنيت بتهمة سرقة ممتلكات عامة، حيث غادر مبنى الكونغرس وهو يحمل لوحة خشبية تشير إلى مدخل مكتب بيلوسي، وهو يقول “إنها ليست رئيسة نوابنا”، كما أخذ معه رسالة من مكتب رئيسة غرفة النواب التي اختفى حاسوبها المحمول، ومع ذلك أكد أنه لم يسرق الرسالة قائلا “لقد تركت عملة معدنية من فئة 25 سنتا على المنضدة لأنني لست لصا”.
كان هذا الناشط المتحمس -الذي يتقمص على الشبكات الاجتماعية هوية الجنرال باتون المتوفي عام 1945- أعلن في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020 أنه سيذهب إلى واشنطن، وأعلن أنه مستعد لسفك الدماء قائلا “ولدت صارخا، أنا ملطخ بدماء شخص آخر، ولست أخشى أن أترك الدنيا بالطريقة نفسها”.