بقلم: خالد إمام – صحيفة الجمهورية المصرية
الشرق اليوم- الاقتحام البلطجي الذي حدث يوم الأربعاء الماضى 6 يناير لمبنى الكابيتول الأمريكي سيظل ولعقود طويلة وصمة عار فى جبين أمريكا وديموقراطيتها الهشة ومكانتها بين دول العالم .. لأن الغوغاء والمخربين والبلطجية لم يقتحموا ( ورشة أو كافيه ) بل مبنى الكونجرس أحد أهم أربعة مبان في الولايات المتحدة مع البيت الأبيض والبنتاجون ( وزارة الدفاع ) والمخابرات المركزية ( سى . آى . إيه ) إن لم يكن أهمها من وجهة نظري .
كنت أتابع الاقتحام البلطجي وأنا لا أصدق ما يجري .. مشهد رهيب ومفجع يفوق مشهد 11 سبتمبر 2001 عندما ضربت طائرات مدنية مركز التجارة العالمى بنيويورك والبنتاجون بواشنطن .. يفوقه لسببين: الأول .. أن أحداث سبتمبر – كما قيل من كلام كاذب – تم التخطيط لها فى الخارج أي أنها كانت بمثابة غارة إرهابية .. أما اقتحام الكونجرس فكان من الداخل وبتحريض من رئيس الدولة نفسه وهنا تكمن الخطورة والمصيبة في آن واحد، والثاني .. أن أحداث سبتمبر جمعت كل الشعب الأمريكي فيما عدا القليل (الذي فهم أصول اللعبة) رافضين ما جرى .. أما أحداث يناير فقد جمعت الشعب فيما عدا أنصار ترامب الذين هم نصف الشعب .
لقد عاشت أمريكا على مدى 245 سنة منذ عام 1776 تعطي للعالم كله دروساً فى الديموقراطية والليبرالية والحكم الرشيد ليأتى رئيسها رقم ( 45 ) ويكفر بكل هذا بل ويحرض بنفسه اتباعه على الهجوم والاقتحام والعنف بطريقة بلطجية أحقر حارة فى العالم الثالث الذي طالما ظلموه .. ووصل به الصلف والغرور وانعدام الوطنية الى أنه وأهل ( بيته الأبيض ) ظلوا يتابعون الأحداث (لايف) من خيمة وهم شبه سكارى وفرحين بالخراب والخزى والعار الذي يجري.
ومع الانتقاد الشديد لشرطة الكونجرس التي لم تكن مستعدة لمواجهة العنف والبلطجة رغم التبشير بهما .. فإن هناك عدة نقاط إيجابية أخرى لما جرى :
أولاً .. إن الكونجرس لم يستسلم للغوغاء والبلطجية الذين يريدون تعطيل الإعلان الرسمي لفوز بايدن الرئيس ( 46 ) وأصر السيناتورز على التصويت على نتيحة الانتخابات في اليوم التالي بعد تأمين جلستهم .
ثانياً .. بعد أن فشلت مؤامرة ترامب لوقف التصويت خرج وأعلن أنه سيكون هناك انتقال منظم للسلطة في 20 يناير .. بعد خراب مالطة يا خفيف ؟؟.. ومن تداعيات ما جرى أن استقال عدد من وزراء ترامب ..ترى ما هي السيناريوهات المحتملة لمستقبل ترامب بعد جريمته ؟؟.. هناك 3 سيناريوهات: الأول .. أن الوزراء المستقيلين يدرسون الآن إقالته لعدم أهليته لهذا المنصب وهناك مطالبات مليونية بتفعيل تعديل الدستور الأمريكي الذي يخول لنائب الرئيس وأغلبية أعضاء الحكومة إقالة الرئيس إذا ما وجدوا أنه غير قادر على تحمل أعباء المنصب ومن ثم يتم تعيين مايك بنس محل ترامب، الثاني .. أن البعض لا يرضى بعزل ترامب فقط بل محاكمته أيضاً، الثالث .. ما يسعى ترامب إليه منذ فترة وهو الخروج الآمن .. فماذا سيتحقق ؟؟
ثالثاً .. تداعيات الغضب مما جرى عبرت الحدود والأطلنطي ووصلت أوروبا .. حيث دعت منظمة الأمن والتعاون الأوروبي الولايات المتحدة الى ضرورة احترام الديموقراطية، وأعربت أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية عن غضبها وحزنها مما حدث والقت باللائمة على ترامب وأشارت الى أن عدم قدرته على الاعتراف بالهزيمة فى الانتخابات جعلت ما جرى ممكناً بعد أن كان مستحيلاً .. أما روسيا فأكدت أن ما حدث هو ( شأن داخلى ) ..!!
ما حدث يوم 6 يناير هو أمر مؤسف لن تنساه الأجيال الأمريكية المختلفة لعقود طويلة .. وأظن أن الشعب الأمريكي الآن يشعر
بجريمته الكبرى في اختيار رئيس غير مؤهل أصلاً للرئاسة .. ترامب هو مجرد رجل أعمال له عقلية ( القراصنة ) لا هم له فى الدنيا الا جمع الفلوس من الصديق والعدو بالرضا والترغيب والترهيب والابتزاز .. وكل هذه الصور حدثت منه بالفعل .