الرئيسية / مقالات رأي / القلعة الخليجية والأمواج الهادرة

القلعة الخليجية والأمواج الهادرة

بقلم: وليد فارس – اندبندنت عربية

الشرق اليوم- منذ الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، تتوالى أحداث دراماتيكية في الولايات المتحدة. قام قادة الخليج بخطوات حذقة وسريعة لتجنّب التداعيات الدولية للتغيير في واشنطن والتموقع الاستراتيجي الأفضل لملاقاة “الأمواج الآتية في 2021″، كما وصفنا في مقال سابق.

الاتفاق الإبراهيمي يلد منظومة مالية

الحركة الأولى للتحالف العربي لتعزيز الموقع الإقليمي والدولي، كانت بتغطية توسيع “الاتفاق الإبراهيمي” كي يشمل السودان والمغرب، وبعد ذلك، بدعم فتح الجسور الاقتصادية والسياحية بين الإمارات والبحرين وإسرائيل، بشكل علني ومُغرٍ للقطاعات المالية الغربية والعالمية. هذا التحرك كانت له مفاعيل سريعة وفعالة دولياً، إذ إن المستثمرين الكبار في الغرب، خصوصاً التكتلات المالية الكبرى، إضافة إلى مراكز البحوث الاقتصادية، صُعقوا بسرعة إقامة جسور الأسواق بين أعضاء “معاهدة إبراهيم”، واندهشوا لعدد المشاريع المشتركة Joint Ventures التي انطلقت بين أغنى دول عربية وإسرائيل التي تملك شبكة تواصل اقتصادية عبر جالياتها في أسواق نيويورك ولندن ولوس أنجليس وتورونتو ودالاس وغيرها. ومن نتائج انطلاقة ذلك، “الورشة الدسمة” من “البزنس” وبروز اهتمامات كبيرة بها في أوروبا وشرق آسيا وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية. فإذ بقطاعات واسعة في قطاع الأعمال تستعد لشراكات مع “المشروع الإبراهيمي” الناهض. وهذه القطاعات لها تأثير عميق في المجاميع الاقتصادية في العالم، بالتالي فإن كتلة مصالح كبرى باتت تتألف، وسيكون لها تأثير شبيه في “اللوبي” من أوروبا إلى الولايات المتحدة، مع ما يعنيه ذلك من “حماية” للشركاء “الإبراهيميين” في الغرب.

من هنا، فإن عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي الإيراني لن تكون على حساب الكتلة الاقتصادية الإبراهيمية، لا في أعضائها الظاهرين ولا في أصدقائها القريبين. بكلام ملخص، عملية السلام المدروسة التي هندستها الإمارات، ودعمها التحالف، ستحمي الخليج وشركاءه من نار عودة واشنطن إلى الاتفاق مع إيران على صيغة ما.

المشاريع الحضارية السعودية

إن إعلان المملكة العربية السعودية عن مشاريع إنمائية وسياحية وتكنولوجية عدة، تحت مظلة إصلاحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لا سيما في منطقة العلا حيث فُتحت مساحات واسعة من الصحراء الحجازية الخلابة أمام السياحة الدولية، وانطلاقة مشروع “نيوم” المذهل للتكنولوجيات والطبيعة والتحديث ومبادرات مختلفة في وسط المملكة وجنوبها، إنما كشفت عن “سعودية جديدة” فاجأت الغرب والشرق وباتت تعتبر متقدمة وضرورية لتطوّر المنطقة، ما يعني أن القطاعات التنموية الدولية أصبحت ملزمة بأن تعمل مع الرياض على حماية هذا التقدم في المنطقة. وهذا التطور سيؤدي إلى قيام حماية إضافية للتقدم التنموي لدى دول الخليج، بالتالي سيكون عاملاً إضافياً لمنع إيران من أن تستفيد من عودة محتملة لإدارة جو بايدن المقبلة إلى الاتفاق النووي، ما يولد ضغطاً لإضعاف الإنجازات السعودية التحديثية وفتح ثغرة ضد قادة التحالف لأربع سنوات.

المصالحة الخليجية

إن القمة الخليجية في العلا السعودية، وقد فاجأت كثيرين، أنهت المقاطعة الخليجية للدوحة، وبسرعة مذهلة فتحت الأجواء والمياه العربية مجدداً أمام حركة السفر القطرية. وقد تساءل كثيرون في المنطقة والعالم عن أسباب هذا التطور. الأجوبة الحقيقية كثيرة، منها ما خرج إلى الضوء، ومنها ما زال طي الكتمان. ومن بين الأسباب التي لم يتم تأكيدها علناً، مناورة دبلوماسية نفذها قادة التحالف من دون طرحها في العلن، وهي متكاملة مع توسيع “معاهدة إبراهيم” لإيجاد المعادلة الأفضل تمهيداً لتغيير السياسة الأميركية، إذ كان متوقعاً أن يتوجه فريق التفاوض التابع لإدارة بايدن إلى دول الخليج لمطالبتها بقبول شروط العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي. وكانت، ربما، المعادلة أن تساعد إدارة بايدن على حل الخلاف الخليجي القطري في مقابل قبول المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين بشروط أخف لاستئناف الاتفاق والضغط ربما كان على الدوحة أيضاً. فقد يكون التحرك السريع للتحالف نحو إنهاء مقاطعة قطر استبق أي مبادرة لإدارة بايدن، بالتالي حذف المعادلة الآتية واستبدلها بمعادلة جيدة: نحن الخليجيون والعرب، فكفكنا عقدة المقاطعة، ولسنا بحاجة إلى مؤتمرات لحل ما حللناه بأنفسنا! وفي إمكان “الخليج الموحد” الآن أن يطلب من إدارة بايدن أن تساعد العرب على سحب الميليشيات الإيرانية من “الهلال الخصيب” واليمن. فبدلاً من أن يكون الحوار العربي- الأميركي في شأن قطر، أصبح حول إيران. وكان هذا القرار الاستراتيجي الجريء ضرباً من الحذاقة الدبلوماسية.

إلا أن سؤالاً بقي مطروحاً على مائدة المراقبين. فإذا كانت لدى التحالف العربي أسباب منطقية لإنهاء مقاطعة قطر وتطبيع العلاقات معها، ما هي الأسباب التي دفعت الدوحة إلى الانخراط في المصالحة بعد سنوات عصيبة من الصراعات السياسية والإعلامية مع التحالف. وفق بعض التحليلات، فإن ما دفع سائر الخليج إلى الإقدام على الخطوة التصالحية هو ذاته ما دفع الدوحة إلى تخطي المواجهة مع سائر الخليج، أي ضغط الإدارة المقبلة عليها لكي تقبل بشروط طهران كي يتم فك الطوق الخليجي من حولها. أضِف إلى ذلك، أن قطاعات داخل قطر تراقب عن كثب الوثبات الإنمائية والتحديثية التي تتكاثر في سائر الخليج، لا سيما في الإمارات والسعودية، إضافة إلى توسع المعاهدة الإبراهيمية والاهتمام الدولي بها.

من هنا، فالحسابات في الدوحة وفي العواصم العربية للتحالف، وصلت إلى تقاطع مصالح موضوعية. فوثبت عواصم التحالف لتقبل بوساطة من إدارة دونالد ترمب، مطروحة منذ سنوات، إلا أنها لم تأتِ بثمار قبل الانتخابات الأميركية. وانضمت قطر إلى هذا التقاطع لكونه يرفع عنها ضغطاً خانقاً، بينما تلك الدول العربية تتقدم بسرعة. وحسناً فعلت السعودية والإمارات، وجيّد أن تقبل قطر بالمبادرة.

بعد العلا، رص التحالف العربي صفوفه، وأراح الخليج شعوبه، والجميع يستعد لملاقاة الإدارة الجديدة في واشنطن، بعدما بدأت الولايات المتحدة حقبة جديدة من حياتها السياسية. المفارقة أنه بينما دخلت الدول العربية حلقة استقرار في مواجهة إيران، تستعد لتوسع إضافي، بينما دخلت أميركا حلقة تجاذب داخلي مربك.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …