الرئيسية / مقالات رأي / موسكو “خائفة” على ديمقراطية واشنطن

موسكو “خائفة” على ديمقراطية واشنطن

بقلم: مصطفى فحص – الحرة

الشرق اليوم- مما لا شك فيه أن أحداث اقتحام أنصار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته مبنى الكابيتول هيل ستترك أثرا عميقا على الحياة السياسية الأميركية بالعام، وعلى الحزب الجمهوري بالخاص، إلا أن المجتمعات الديمقراطية المتنوعة والتي تحتكم إلى سلطة القانون والمساءلة والمراجعة قادرة على تصحيح مساراها، هذه طبيعة الديموقراطيات العميقة المتحركة وفقا لخصوصياتها المجتمعية والاقتصادية والسياسية. لكن من المستغرب أن يطلق القادة الروس العنان لانتقاد مؤسسات الدولة الأميركية ويغلفوها بغطاء النقد والتحذير من مستقبل الولايات المتحدة والتخوف من حرب أهلية.

من الملفت الانتقادات التي وجهها سكرتير الحزب الشيوعي غينادي زوغانوف الذي لم يزل في منصبه منذ سنة 1993 وحتى الآن دون أن يقوم الحزب بمراجعة لسياساته ولحضوره بعد خسارته السباق الرئاسي سنة 1996، زوغانوف لم ير في اقتحام مبنى الكابيتول إلا تجرع واشنطن للسم الذي زرعته للخلاص من عدة أنظمة معادية لها، وعلق قائلا “لقد كانوا هم الذين أطلقوا الثورات الملونة، خلال خمسين عامًا نفذوا ثلاثين، إن لم يكن أكثر، لقد أطاحوا بالزعماء في شمال إفريقيا ويوغوسلافيا وأطاحوا بحكومة طبيعية في أوكرانيا، وكانوا قد ذهبوا إلى بيلاروسيا العام الماضي. حسنًا، الآن يدفعون ثمنها “، هاجس الثورات الملونة وارتدادها على واشنطن جاء أيضا على لسان رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما ليونيد سلوتسكي الذي اعتبر “أن الاضطرابات في مبنى الكابيتول هيل التي أوقفت الإقرار الرسمي للأصوات الانتخابية في الكونغرس تلقي بظلالها بالتأكيد على عملية الانتقال الديمقراطي للسلطة بأكملها فكما نرى، ارتداد ” الثورات الملونة “في فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي تعود إلى الولايات المتحدة وكل هذا يهدد بالتحول إلى أزمة نظام القوة الأميركية في القرن الجديد”.

 مواقف المسؤولين الروس المضخمة من حادثة الكابيتول هيل، تأتي في سياق محاولة تغطية الروس لقلقهم على مستقبل العلاقة مع واشنطن بعد استلام الرئيس المنتخب جون بايدن السلطة في عشرين الشهر الحالي، حيث من المحتمل أن تواجه موسكو سياسة ضغط استراتيجي من قبل واشنطن تختلف جذريا عن كيفية تعاطي إدارة دونالد ترامب مع سياسات التوسع الروسي، وتؤدي إلى انخراط أميركي أكثر في جوار روسيا الإقليمي الأوروبي والآسيوي، مع احتمال التصعيد في ملفات جمهورية قرغيزيا في آسيا الوسطى وبيلاروسيا بعد تصاعد المعارضة ضد السلطات القريبة من موسكو في هذين البلدين، إضافة إلى ملفات شائكة أخرى أبرزها انخراط أكثر لواشنطن في أزمة أوكرانيا مع استلام انطوني بليكن وزارة الخارجية والذي دعا سابقا إلى تسليح أوكرانيا. كما أن مناطق ما وراء القوقاز (جورجيا، أرمينيا وأذربيجان) ستكون أحد عوامل التشنج ما بين البلدين، حيث ستزيد من أعباء الأمن القومي الروسي ومن كلفة حماية المصالح الروسية والنفوذ المتصدع في هذه المنطقة.
 
المأزق الجديد الذي ستواجه روسيا من بحر قزوين إلى البحر المتوسط هي في إرضاء أنقرة، التي ستعود إلى لعبة الابتزاز من أذربيجان إلى ليبيا مرورا بسوريا حيث تزداد حاجة الكرملين إلى لاعبين إقليميين غير موثوقي الموقف، وقد تختلف تقديراتهم مع الإدارة الجديدة إذا قررت الانخراط أكثر في منطقة الشرق الأوسط خصوصا في سوريا التي سيكون تحجيم الدور الروسي فيها أولوية أميركية، وهذه أحد العوامل المقلقة للكرملين الذي فشل في انتزاع بعض التنازلات من الإدارة الراحلة التي تتهمها بعض الأوساط السياسية الأميركية بمهادنة روسيا، فيما لا يستبعد الكرملين بأن تستخدم الإدارة الجديدة كافة أدوات الضغط من أجل انتزاع تنازلات روسية حقيقية في سوريا وإن لم تنجح فإن من المحتمل أن تستمر عملية الاستنزاف الطويلة.

التصريح الروسي الأبرز حول أحداث واشنطن جاء على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا التي قالت إن “الأحداث في واشنطن تظهر أن العملية الانتخابية الأميركية قديمة ولا تلبي المعايير الحديثة وعرضة للانتهاكات” وأضافت “نتمنى أن ينجو الشعب الأميركي الودود من هذه اللحظة المأساوية في تاريخه بكرامة”. المضحك المبكي في تصريح زاخاروفا أنها توّجه انتقادات لنظام انتخابي برغم ما فيه من شوائب، إلا أنه يضمن تداول السلطة وتطوير المؤسسات، فيما قامت بلادها في العام المنصرم بتعديل دستوري يضمن للرئيس البقاء في السلطة حتى 2034 دون القدرة على محاسبته على إخفاقات الفترة السابقة وفشل إدارته في تحسين حياة الروس.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …