بقلم: عبد اللطيف مجدوب – هسبريس
ظاهرة رئاسية أمريكية استثنائية
الشرق اليوم- ظاهرة ترامبيزم Trumpism غزت العالم السياسي؛ أسس لها دونالد ترامب من خلال توظيفه المطلق لسلطة المال في تدبير شؤون العلاقات الدولية؛ في مجالات عديدة متخذا منها الحكم الفصل في علاقاته بعديد من الدول والمنظمات والشركاء، وجعلته يلغي كثيرا من الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها إدارة أوباما، ويعيد النظر في اتفاقيات المناخ والملف النووي الإيراني خاصة، ويسحب الدعم المالي من منظمات أممية وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية.
هذا فضلا عن سلسلة الإقالات التي مارسها في حق كبراء موظفي البيت الأبيض؛ من وزراء ومستشارين وقضاة.
ومعلوم أن دونالد ترامب دخل البيت الأبيض سنة 2016، بدعم سيبرنتيكي على يد أنامل روسية متخصصة في اختراق أعتى الشبكات العنكبوتية للتجسس في العالم، والولوج إلى الأبناك المعلوماتية للعديد من الدول، وهذا صار غير خاف على أحد، بعدما كانت منافسته هيلاري كلينتون على وشك الاعتراف بها كرئيسة للولايات المتحدة الأمريكية، لكن وفي آخر لحظة؛ وتحت ذهول العالم أجمع؛ أمكن للقراصنة الروس أن يحولوا خزانات الأصوات الانتخابية إلى صالحه.
لكن الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة 2020 أكدت للرأي العام الأمريكي مدى نفوذه المالي واختراقه لدائرة واسعة من المصالح الفدرالية، من أجل إعادته رئيسا للدورة الثانية؛ موظفا ومستغلا صلاحياته الدستورية، وثقله المالي في تزوير إرادة الناخب الأمريكي، فقد حاول مرارا الضغط على حكام العديد من الولايات لشراء ذممهم؛ وبحرص محموم من جانبه؛ لإحصاء أصوات الناخبين وتحويلها لصالحه.
ومعلوم؛ في عالم المال؛ لا يمكن للمقامر أن يقر بهزيمته؛ مهما كانت الظروف والملابسات، فهو يقامر إلى آخر نفس أو بالأحرى إلى آخر مليم يمتلكه، ولو تأتى له الأمر لقامر بساعة معصمه! فترامب؛ ومنذ الإعلان عن النتائج الانتخابية الرئاسية في شهر نونبر الأخير؛ لم يعترف بهزيمته أمام منافسه جو بايدن، على الرغم من محاولاته اليائسة في عرض “قضية التزوير” أمام المحاكم الفدرالية، وبلغ به جنون تمسكه بموقفه أن أعد سيناريو هوليودي جهنمي؛ لم يكن يعي بالمرة تداعياته الأمنية والسياسية، حينما ضرب موعدا لأنصاره وغيرهم من التيارات اليمينية المتطرفة بالتجمهر أمام مبنى الكابيتول حيث مجلس الكونغريس للتصديق على النتائج الانتخابية وتزكية فوز المترشح الديمقراطي جو بايدن يوم 6 دجنبر 2021، هذا التاريخ سيبقى عالقا بالذاكرة الأمريكية لشدة وطأة أحداثه الشبيهة بأحداث 9/11.
كانت الحشود تصل تباعا لتقترب من المبنى، وهي تتحرك امتثالا للتغريدات التي كان يصدرها لهم عبر موقع “تويتر”… منها دعوته للحرس الرئاسي بالسماح لأنصاره من التجمهر “السلمي”، لكن ومع تعاظم أعدادهم الذي اقترب من عشرات الآلاف؛ أخذوا وبتواطؤ سري مع رجال الحرس؛ في اقتحام شرفات المبنى، وقد جردوا آلياتهم ووسائلهم في تسلق المباني وتهشيم زجاج النوافذ، وفي بضع لحظات متسارعة الأحداث؛ تمكنوا من احتلال المداخل المؤدية إلى داخل مجلس الكونغرس، وقد عاين العالم؛ ومن خلال صور حية مباشرة؛ مدى العنف والدمار والتخريب وأعمال الشغب التي لحقت بالممتلكات، أسفر في ما بعد؛ وبعد مضي أقل من ساعة؛ على وفاة أربعة عناصر من رجال الشرطة والعبث بالممتلكات، فضلا عن تهشيم آليات كثيرة لأجهزة الإعلام المرئية؛ تابعة لشبكات مراسلين. كان حينها ترامب غارقا في ساديته وهو يتابع النتائج التي أسفرت عنها مؤامرته العمياء، حاول بعد أن علم بأن أمريكا باتت تحت رحمة أقدام عبثية أنصاره؛ أن يسكن من روعهم ويدعوهم إلى التراجع ولزوم “بيوتهم” شاكرا لهم “جميلهم”.
مستقبل بايدن في البيت الأبيض
كان لتغريداته الجنونية الأثر البليغ في نفوس المراقبين؛ بمن فيهم الجمهوريين وهم يقرؤون فيها أن ترامب سوف لن يتراجع عن مساعيه العمياء في عرقلة السياسة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن، وأن هذا الأخير سوف لن ينعم بمقام آمن داخل البيت الأبيض، طالما أن اندحار غريمه ترامب وعدم إقراره بفوزه، واستبعاد حضوره مراسم تسليم السلطة وتنصيب بايدن في 20 من الشهر الجاري.
ومن هول الصدمة التي أصابت المجتمع الأمريكي، وهو يتتبع أعمال الشغب التي حرض عليها الرئيس؛ طالبت العديد من الجهات بمن فيها تيارات داخل الحزب الجمهوري بتفعيل مادة في الدستور الأمريكي تقضي بعزل الرئيس ومحاكمته على إخلاله بالقسم الذي أداه 2016 كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية.