الرئيسية / مقالات رأي / “السوشيال ميديا”.. آلية النظام الدولي الجديد

“السوشيال ميديا”.. آلية النظام الدولي الجديد

بقلم: بيشوي رمزي – اليوم السابع

الشرق اليوم – عنف وفوضى شهدتها العاصمة الأمريكية واشنطن، تزامنا مع جلسة الكونجرس للتصديق على ما آلت إليه الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، والتي أسفرت عن فوز جو بايدن بالرئاسة، في نوفمبر الماضي، دفعت إلى العديد من الإجراءات الأمنية، وعلى رأسها فرض حظر التجوال، بالإضافة إلى حملات الاعتقال التي شملت العديد من أنصار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، باتهامات تتعلق بالعنف وزعزعة الاستقرار، بل وامتدت إلى مجابهة أعمال التظاهر الفوضوي بإطلاق الرصاص، مما أسفر عن مقتل عدد من المتظاهرين، أبرزهم عسكرية سابقة بسلاح الجو الأمريكي تدعى أشلي بابيت.

إلا أن الإجراءات الطارئة التي أحاطت بالموقف الأمريكي لاحتواء الحالة غير المسبوقة في واشنطن، لم تقتصر على جانبيها الأمني والحكومي، وإنما امتدت إلى إجراءات أخرى، تجاوزت الواقع المعاش إلى العالم الافتراضي، متمثلا في مواقع التواصل الاجتماعي، عبر ملاحقة دعاة العنف، ليس فقط على المستوى الأمني، وإنما أيضا على المستوى الإلكتروني، وهو ما تجلى في أبهى صوره، في قرار موقع “تويتر” بحجب حساب الرئيس ترامب، بسبب مخاوف ارتبطت باحتمالات موجات جديدة من التحريض على الفوضى، سواء في أيامه الباقية بالبيت الأبيض، أو بعد خروجه منه في 20 يناير الجاري.

ولعل إجراءات “تويتر” بحق ترامب، تمثل امتدادا لما يمكننا تسميته بـ”زمن المراجعات” لثوابت عدة، طالما بشر بها الغرب، سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية، لسنوات طويلة، وعلى رأسها مفهوم الحرية، بأبعاده غير المحدودة، سواء فيما يتعلق بالتعبير عن الأراء أو المعتقدات، أو النشر، أو حتى حرية الحركة والانتقال، في ضوء معطيات كبيرة، تراوحت، بين فوضى سياسية أو مجتمعية، على غرار الواقع الأمريكي الحالي، ومن قبل في عدة دول أوروبية أو كوارث بيئية على خلفية ظاهرة التغيرات المناخية، أو تداعيات وبائية كارثية، كما هو الحال جراء تفشى فيروس كورونا المستجد، والذى أدى إلى وفاة ألاف البشر من كل أنحاء العالم.

يبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة أحد أدوات النظام الدولي الجديد، والتي ربما تشهد تطورا جديدا يضاف إلى تطوراتها المتلاحقة، منذ نشأتها، حيث أنها استهدفت في البداية مجرد تحقيق التواصل بين الأصدقاء، لتتطور بعد ذلك وتصبح وسيلة للانفتاح بين الشعوب والمجتمعات، بينما أصبحت فيما بعد “بوتقة” الثورة، إبان ما يسمى بـ”الربيع العربي”، لتتحول في أخر حلقات تطورها إلى وسيلة “العالم” الجديد لفرض قواعده، التي تبدو مختلفة إلى حد كبير عن تلك التي سبق وأن دعت إليها دول العالم المتقدم لعقود طويلة من الزمن.

وهنا تحولت مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة من مجرد منصات إلكترونية تعكس واقعا افتراضيا، إلى آلية دولية، يمكن من خلالها فرض القواعد العالمية الجديدة، على غرار ما شهده العالم في مراحل “المخاض” الدولي المختلفة، عبر تدشين منصات، من شأنها إضفاء الصبغة الشرعية على السياسات التي تتبناها القوى العظمى للعالم، في مختلف المراحل، كما حدث في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، بتأسيس عصبة الأمم خلال مؤتمر باريس في عام 1919، أو بعد الحرب العالمية الثانية، بتأسيس الأمم المتحدة، والعديد من المنظمات الأخرى في الأربعينات من القرن الماضي، أو حتى بعد ذلك، عبر الاعتراف بالاتحاد الأوروبي، ليكون بمثابة “المحلل” للقيادة الأمريكية الأحادية للعالم، في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي، مع بداية عقد التسعينات.

ولكن يبقى الدور الذى تلعبه “السوشيال ميديا” في النظام الجديد لا يخرج عن إطارها المجتمعي، حيث كانت منظمات العالم القديم، في الأساس سياسية، تهدف إلى فرض قواعد النظام العالمي على الدول، عبر كيانات دولية تمثلها الدبلوماسية البحتة، بينما يبقى النظام الجديد مرهونا بتطورات مجتمعية باتت تناطح الساسة، في انعكاس صريح للاختلاف الكبير الذى يشهده المجتمع الدولي في المرحلة الراهنة، تحول خلالها الشارع من مجرد قوى اجتماعية، مساندة للحكومات، إلى تكتلات سياسية من شأنها إحداث تغيير حقيقي في المجتمعات، وبالتالي ربما تزايدت الحاجة لفرض المزيد من القيود عليه في المستقبل.

شاهد أيضاً

الصين الماسية

الشرق اليوم- في مطلع أكتوبر 1949 أعلن ماو تسي تونغ، تأسيس جمهورية الصين الشعبية، حيث …