بقلم: غانم النجار – صحيفة الجريدة
الشرق اليوم- “إذا عطست أمريكا أصيب العالم بالزكام”… هي الدولة الأولى في كل شيء، حتى في إصابات “كورونا” ووفياته بمسافة كبيرة.
يوم الأربعاء السادس من يناير كان مؤشراً لما هو أكبر، قابل للتصدير، وليس مجرد عطسة من تلك العطسات.
في ذلك اليوم اجتمع “الكونغرس” بمجلسيه، ليعتمد نتائج أصوات انتخابات الرئاسة. أعلن نواب جمهوريون اعتراضهم على النتائج، كان ذلك في حدود النواحي الإجرائية، لولا أنها كانت استجابة لحملة قادها الرئيس ترامب الخاسر للانتخابات، زاعماً حدوث تزوير، وداعياً مؤيديه للتظاهر ضد إجراءات “الكونغرس”، وتمكنوا من اقتحام المبنى وتعطيل الاجتماع، واحتمى النواب تحت الكراسي، إلى أن أُخلي المبنى، وعاد “الكونغرس” ليعتمد النتائج، وكان ضحية ذلك 5 قتلى.
ستكون واقعة اقتحام “الكونغرس”، بتحريض من الرئيس، علامة فارقة في السياسة الأمريكية، فهي تأتي في نهاية حقبة، وتولّي سياسي تقليدي معتق للرئاسة، والذي سيواجه تحديات جمّة لترتيب الأوراق المبعثرة داخلياً وخارجياً.
للمرة الأولى، تحاضر دول العالم أمريكا في كيفية إدارة الديمقراطية، بعد أن كانت أمريكا تحاضر فيها. انقسم العالم، أصدقاء وأعداء، بين شامت، ومشفق، ومنتقد، ومعتذر، وساخر، ومستهزئ.
الحادثة طرحت الأسئلة، أكثر من الأجوبة.
هل ستتم محاسبة الرئيس ترامب بتهمة التحريض على التمرد؟ أو يتم ترك المسألة ولم يتبق من رئاسته إلا أيام؟ مجلس النواب أعلن إجراءات العزل، حينها سيكون أول رئيس يتم عزله مرتين، وتتبقى محاكمته بمجلس الشيوخ. وماذا عن الأمن الذي تم اختراقه؟ والفرق في التعامل المتشدد مع مظاهرات يونيو الماضي بينما لم يكن هناك أمن كافٍ هذه المرة؟ وماذا عن حرية التعبير؟ ودور “تويتر” و”فيسبوك” بإغلاقهما حسابات ترامب، بحجة تهديده للأمن وتحريضه على العنف؟ لماذا الآن يتم الإغلاق؟ ولماذا تم اتخاذ القرار في أيامه الأخيرة، حين لا خوف منه؟ وماذا عن روبرت مردوخ مالك قناة فوكس، التي كانت شريكة في التصعيد والتحريض؟ ومطالبة جريدة وول ستريت جورنال المحافظة التي يملكها مردوخ لترامب بالاستقالة؟
الأسئلة تتجاوز ترامب وحقبة حكمه، كما تتجاوز ما حدث في 6 يناير، فقد كان ذلك كاشفاً لهشاشة الديمقراطية، كما نعرفها، كما كان كاشفاً لحالة الانقسام الحادة في المجتمع.
ذلك القلق لخّصه اثنان من جيل المؤسسين، حيث كتب جيمس ماديسون رابع رئيس أمريكي: “الديمقراطيات كانت دوماً محطة للمصاعب والقلق… وعموماً هي قصيرة العمر وعنيفة في مماتها”. أما جون آدامز ثاني رئيس فكتب: “الديمقراطية لا تعيش زمناً طويلاً، فسرعان ما تهدر وترهق وتقتل نفسها، فلم يكن هناك ديمقراطية حتى الآن (1814) لم تُقدِم على الانتحار”.
لا إجابات قاطعة عن الأسئلة، ولكنها هي التي قد توجِّه البوصلة للخروج من المأزق الحرج.
لا بديل لأمريكا إلا النهوض، ونفض الغبار والصدأ العالق على أسنّة الرماح، ولديها الإمكانيات لذلك، أما الاستمرار بهذه المعطيات فالمستقبل معروف.