بقلم: الحبيب مباركي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- التزمت حركة النهضة الإسلامية في تونس الصمت ولم يصدر عنها أي بيان أو موقف رسمي من مخرجات قمة “التضامن” التي عقدت بمدينة العلا في السعودية وانتهت بإعلان مبدئي عن مصالحة خليجية، رغم كونها جاءت “مبتورة”.
لكن ما بدا جليّا لمراقبين أن موقف الحركة الإسلامية لم يغادر مربّع الحماسة التي طبعت الجماعة الأم وعبّر عنها أكثر من موقف، بدءا من مصر حيث قال المتحدث باسم جماعة الإخوان طلعت فهمي، إن “جماعة الإخوان ترحّب بالخطوات والإجراءات التي تم إعلانها لإتمام المصالحة بين دول مجلس التعاون الخليجي”، وليس انتهاء عند حركة حماس التي اكتفت ببيان يؤكد أملها في “انتهاء الأزمة الخليجية بالكامل واستعادة الوحدة والتضامن الخليجيين اللذين يصبّان في وحدة الموقف العربي المأمول”.
الحكم على النوايا في هذا السياق مرفوض، رغم أن دلالاته واضحة وتنسجم مع أي موقف داعم ومساند لقطر التي يزعم الإخوان بأن النصر كان حليفها هذه المرة. ولو أنه أمر مقرون بأبعاد إنسانية واجتماعية وثيقة، وأيضا بأبعاد اقتصادية عجّلت بتقريب وجهات النظر مع الجارة السعودية أولا قبل بقية الأطراف الأخرى المعنية بهذه المصالحة وما زالت متوجّسة من فتح باب الحوار مع الدوحة.
فهم الإخوان، بينهم إخوان تونس، أن المصالحة الخليجية بعناوينها الكبيرة يمكن أن تمثل بالنسبة إليهم قارب نجاة للهروب من شبح التضليل والمناورة الذي بات منهجا في كل تحركاتهم للاصطفاف وراء المحور التركي – القطري. وسرعان ما نفخت أبواقهم الإعلامية بلغة رتيبة حول إعادة وحدة الصف العربي والدفاع عن القيم الإسلامية وغيره من الكلام المنمق الذي لا ينطلي على أي متابع حصيف لكل ما يجري من تقسيم في الأقطار العربية.
طبعا، لا أحد بإمكانه أن يُزايد على وحدة الصف العربي والخليجي في معانيه المطلقة والشاملة. لكن وحدة الصف هذه تقتضي حتما الوقوف على جملة من الثوابت والشروط التي وضعها المحاورون للدوحة قبل الإقدام على أي خطوة للحوار معها. فهل ستلتزم قطر بالتخلي عن جيوبها وأتباعها في كل مكان؟ ماذا عن الجماعات الإسلامية والكيانات الإخوانية الناشطة سرّا وعلنا في كل الأقطار العربية وتدين لها بالولاء؟ ماذا عن الارتباطات والعلاقات المتشابكة للجمعيات الإسلامية التي تتلقى الدعم من الدوحة؟ والأهم من ذلك ما هو موقف الدوحة من الإخوان؟ هل ستضحي بهم لصالح العودة إلى أشقائها الخليجيين، أم ستواصل سياسة اللعب على حبلين؟
جميع هذه الأسئلة والتخمينات، وأغلبها حقائق مكشوفة للعيان، هي شروط تدرك الدوحة أنه ينبغي عليها أن تتقيّد بمراجعتها وتلتزم بها إن كانت جادة فعليا في طريق المصالحة والعودة إلى البيت الخليجي والعربي.
استبعدت العديد من التحليلات التي تمخّضت عن قمة العلا فرضية أن تتبرأ الدوحة من أذرعها الإسلامية نظرا للعديد من الاعتبارات، خصوصا أنها تستمد مناوراتها من هذه الكيانات التي تدين لها بالولاء وتعمل على تحقيق أهدافها في أكثر من قطر عربي.
لكن ما يهمّ الآن هو النصف الثاني من الكأس.
هنا تطرح فرضية غاية في الأهمية وذات أبعاد موضوعية. تقول الفرضية: ماذا لو قررت الدوحة بعد المصالحة مع السعودية الاستجابة إلى كل الشروط التي تتعلق بإتمام المصالحة الشاملة مع بقية دول المقاطعة! كيف سيكون وضع الإخوان؟ ما هي وجهتم القادمة؟ هل سيجدون حاضنة أخرى؟ وهل ستكون بمواصفات وسخاء الدوحة وعطائها؟
في تونس مثلا، التي تدير حركة النهضة الإسلامية ذات المرجعية الإخوانية كل خيوط اللعبة السياسية فيها، ماذا تعني المصالحة بالنسبة إليها؟ وماذا يعني فقدان حليف قويّ مثل قطر؟ هل سيبارك إسلاميّو تونس التقارب الخليجي ويدعون له بالنجاح، أم سينظرون إليه بعين الريبة؟
الأكيد أنهم سيباركونه على طريقتهم الخاصة أداء للواجب لا غير. لكن في أعماقهم وطريقة تفكيرهم الأكيد أنهم معترضون على تقارب لا يخدم أجنداتهم ولا يلبّي مطالب فئات واسعة منهم لا تزال تدين بالولاء للجماعة أولا وأخيرا.
تدرك حركة النهضة، بعودة الدوحة إلى البيت الخليجي، أن هناك جذعا آخر من الشجرة قد وقع اقتلاعه. لكنها كالعادة ستتبرّأ من علاقتها بقطر بلغة مخاتلة بزعم أن الحركة لا تتدخل في الخلافات الخليجية ولا تنصر دولة على أخرى.
خبر التونسيون ذلك بعد سقوط جماعة الإخوان في مصر في ثورة يونيو 2013 عندما تبرّأ أغلب قياديي النهضة من أي علاقة لهم بالجماعة الأم حينها.
لكن ماذا عن الخطوة القادمة؟
الأكيد أنه في حال قررت قطر الرضوخ لمطلب التخلي عن الإخوان، وهو أمر مستبعد، فإن الثقل سيتركز على الحليفة تركيا، بما يحمله رئيسها رجب طيب أردوغان من فكرة الدفاع عن جل هذه الأفكار المضللة والمنهكة للدول.
ستكون تركيا بوابة جديدة يتركز فيها الدعم لهذه الكيانات المنبوذة إقليميا. لكن في ظل اقتصاد متهاوٍ وجبهات حروب يقودها “السلطان” أردوغان على أكثر من صعيد، كيف ستكون حظوظ هذا المشروع في إقليم تسبب الرئيس التركي في اضطرابه وإرباكه بدءا من ليبيا، إلى سوريا، إلى شرق المتوسط؟
حان الوقت لإخوان تونس كي يراجعوا أنفسهم ويتحسّسوا جيدا الأرضية التي يقفون عليها، وأن يعدلوا بوصلتهم ويعرفوا أي الطرق يسلكون بمراجعة داخلية تستبطن الماضي وتقتلعه من جذوره بلا رجعة، وتؤسس لمصالحة داخلية مبينة على الاعتراف والمكاشفة والمصارحة للتونسيين.
وبخلاف ذلك لن يكون الطريق ممهدا لمقاربة المصالحة الخليجية والبناء عليها في حال كانت مخرجات قمة العلا الخليجية في اتجاهها الصحيح. دون ذلك يبقى السؤال هو: هل إخوان تونس مع المصالحة الخليجية أم ضدها؟