الشرق اليوم- الذي حدث يوم الأربعاء الماضي في واشنطن، من حصار لمبنى الكابيتول واقتحامه، وتخريب بعض غرفه، بعد قيام الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، بتحريض أنصاره على التظاهر أمامه، لمنع التصديق على انتخاب خلفه جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، سوف يسجل في التاريخ الأمريكي على أنه اليوم الذي خرج فيه أول رئيس أمريكي على النظام والدستور وآليات تسليم السلطة، واليوم الذي يرفض فيه رئيس أمريكي نتائج انتخابات رئاسية، كما يقرر عدم حضور تنصيب خلفه.
لكن الأخطر من كل ذلك، أن ما جرى يوم الأربعاء الماضي قوّض أسس الديمقراطية التي قامت عليها الولايات المتحدة، والقيم التي طالما تباهت بها أمام الآخرين، كما شوهت سمعتها كـ”منارة للديمقراطية”، وكشفت عن مدى الانقسام داخل المجتمع الأمريكي.
ما جرى هو تكرار لم يجر في العديد من دول العالم الثالث، من انتهاك للديمقراطية والحرية، ومن اتهامات بتزوير الانتخابات، وتزييف لإرادة الناخبين، بحيث بدت الولايات المتحدة أمام ما حصل في مبنى الكابيتول، بينما كان بفرعيه (النواب والشيوخ) يستعد لإقرار فوز بايدن، وكأنها على أبواب انقلاب، أو ثورة، أو حالة تمرد، وصفتها صحيفة “لا روببليكا” الإيطالية بـ”الزحف على روما” بقيادة موسوليني عام 1922.
ردود الفعل العالمية، وخصوصاً من قيادات أوروبية، إزاء ما جرى، يكشف مخاوف الدول الغربية من أن يكون ما جرى مقدمة لما هو أخطر، بالنسبة للولايات المتحدة التي تقود العالم الحر، وما يمكن أن يؤدي إليه من انحدار ونكوص قد يصيب كل منظومة هذا العالم وعلاقاته التي ترسخت بعد الحرب العالمية الثانية.
لقد عمّق ترامب الشرخ داخل المجتمع الأمريكي بشكل بات من الصعب تجسيره، كما قوض أسس الديمقراطية التي قام عليها النظام الأمريكي، تماماً كما قوض قواعد السياسة الدولية وأرسى الخروج على القانون الدولي والشرعية الدولية، والعلاقات بين الدول خلال السنوات الأربع التي قضاها في البيت الأبيض.
بعدما حصل، لم يعد يحق للولايات المتحدة الادعاء بأنها منارة الديمقراطية وحاميتها، أو أن تعطي الدروس للآخرين حول احترام الديمقراطية، أو أن تخوض الحروب باسمها.
ما حصل، قد يفتح الباب أمام إعادة النظر في الديمقراطية الأمريكية التي ما زالت العنصرية تشوهها، وفي النظام الانتخابي الذي صار متقادماً وعمره يزيد على 240 عاماً، نظراً لجوانب القصور فيه، إذ سبق للرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن حذر من أنه بالغ التعقيد “ولم يعد يعمل بشكل صحيح، ويجب إصلاحه”. ومن أبرز عيوبه أنه لا ينص على حق الناخب في اختيار رئيسه بشكل مباشر، بل يعطي هذا الحق لأعضاء المجمع الانتخابي. ففي كثير من الأحيان يفوز المرشح بأكثرية شعبية لكنه لا يحصل على تأييد المجمع الانتخابي فيفشل. وفي هذه الحال يبرز السؤال: ما فائدة التصويت الشعبي إذا كان بلا معنى؟
أمريكا تدخل مرحلة جديدة من تاريخها، فهل يستطيع بايدن أن ينقذها؟
المصدر: الخليج