بقلم : حمادة فراعنة – صحيفة الدستور الأردنية
الشرق اليوم- ليس مكرمة منه، ولا تراجعاً لحسن أخلاق، ما قاله الرئيس الأميركي المهزوم ترامب، بل نصيحة قانونية من محاميه، في ذروة أزمته وسقوطه قبل أيام من موعد رحيله، بعد خطوتي الاستحقاق الدستوري: الأولى الانتخابات يوم 3/11/2020، والثانية إقرار مجلسي النواب والشيوخ نجاح بايدن يوم 7/1/2021، وصولاً للخطوة الثالثة النهائية، خطوة حلف اليمين الدستوري والتنصيب الرسمي يوم 20/1/2021.
أعلن ترامب عن ضرورة المصالحة، والتسليم بالنتائج، وأن إدارة جديدة مقبلة للبيت الأبيض، وهو ما كان يرفضه، ويشكك فيه، والتمرد عليه، والتحريض ضده، فانقلب عن كل سلوكه ومواقفه منذ نتائج هزيمته بالانتخابات، وهذا يعود لنصائح محاميه لأكثر من سبب:
أولاً يعود لتراجع مؤيديه، وانكفاء قيادات معتبرة من الحزب الجمهوري عنه، وتحولت إلى ضده، واحتمال تعرضه للمساءلة القانونية على خلفية التحريض الذي مارسه وأدى إلى قتل خمسة أشخاص، واقتحام الغوغاء من جماعته لمبنى الكونغرس- الكابيتول، وتعطيل جلسة مجلسي النواب والشيوخ المكرسة لإقرار نتائج الانتخابات.
ثانياً لعله يحصل على الحصانة إذا هو بادر لمنحها لنفسه شخصياً بمرسوم رئاسي يُصدره، أو يمنحه له الرئيس بايدن حصيلة مفاوضات على قاعدة المصالحة، على خلفية تهمة التهرب الضريبي، وتُهم عديدة.
لهذا بادر لإعلان المصالحة و»العفو عما مضى»، ولم يكن ذلك حصيلة ليقظة ضمير، أو إحساس بالمسؤولية، بل بسبب التيقن من وقوعه بالخطايا المتراكمة، والكوارث الأخلاقية الخارجة عن التقاليد الرئاسية، والقيم الديمقراطية، القائمة على تداول السلطة وفق نتائج صناديق الاقتراع.
أما العامل الثالث لتراجعه، فهو نتائج انتخابات ولاية جورجيا لمقعدي مجلس الشيوخ، مما أدى إلى تفوق الديمقراطيين عن الجمهوريين، وبات مجلسي النواب والشيوخ بأغلبية ديمقراطية تحرم بايدن فرص المناورة، وتمنح الديمقراطيين فرص الانقضاض عليه قانونياً وتعريضه للمساءلة القضائية.
فكرة المصالحة تمت من جانبه، ولكن كما يبدو أن الديمقراطيين لم يتجاوبوا معه، وباتت أوراقه وخطته ودوافعه مشكوفة، وواصلوا دراسة الإجراءات الواقعية العملية لمواجهته وتحميله مسؤولية ما حصل يوم 6/1/2021.
ثمة تسطيح في قراءة نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية يوم 3/11/2020، وكأنها مجرد تنافس بين الحزبين فقط، وهي كذلك، ولكنها تعكس تطورات اجتماعية اقتصادية وتداعياتها السياسية لمجمل ما جرى داخل مسامات المجتمع الأميركي، في صراع يكاد يكون مكشوفاً: صراع طبقي، قومي، ديني، بين شرائح مختلفة تنمو مصالحها وألوانها وتعبيراتها، تعكس نفسها في الانحيازات الحادة وإفرازاتها عبر صناديق الاقتراع: 1- للرئاسة، 2- لمجلس النواب، 3- لمجلس الشيوخ، 4- مجالس الولايات، حيث يزداد نفوذ ونشاط أبناء القوميات المتعددة وتراجع دور العنصر الأبيض وإحساسهم بتراجع نفوذهم بشكل تدريجي وهزيمة ترامب هي العنوان الأبرز لهذه الهزيمة للاتجاهات القومية الدينية المتعصبة، ونجاح الاتجاهات والشرائح القومية المتعددة من عرب ومسلمين وافارقة واسيويين ومن بلدان أميركا اللاتينية.