بقلم: وحيد عبد المجيد – الاتحاد
الشرق اليوم- ليس واضحاً بعد إلى أي مدى يمكن أن يكون العام الذي بدأ لتوه أفضل من 2020، وفق ما يتمناه البشر في مختلف أنحاء العالم. يُجمع الناس في كل مكان على أن سنة 2020 كانت ثقيلة الوطأة عليهم. ولا يحول اختلاف درجات المعاناة وأشكالها من بلد إلى آخر، وفي داخل كل دولة، دون وجود هذا الإجماع، الذي يقترن بأمل في أن يكون عام 2021 أفضل، بعد النجاح الذي تحقق في ابتكار عدة لقاحات واقية من فيروس كورونا، والبدء في تصنيعها والتلقيح بها. غير أن هذا الأمل مشوب بكثير من الحذر، وربما أيضاً القلق من أن يكون المشمولون في عملية التطعيم حتى نهاية العام أقل من المعدلات اللازمة لوقف تفشي الفيروس، أو الحد من انتشاره إلى مستوى يتيح عودة الحياة إلى طبيعتها.
ولا يتسم النظام العالمي بقدر كاف من العدالة في مختلف المجالات. لذا تُثار أسئلة حول أثر السباق بين دول شمال العالم، للاستئثار بأكبر عدد من اللقاحات المنتجة، على الدول الأقل قدرةً في الجنوب، ومدى فاعلية آلية “كوفاكس” الجديدة التي تديرها منظمة الصحة العالمية لإتاحة اللقاح في الدول الأقل دخلاً، والجهود التي يقوم كل من التحالف العالمي للقاحات والتحصين، الذي أُنشئ عام 2000 في إطار شراكة بين مؤسسات عامة وخاصة لتحسين الأمن الصحي في العالم، والائتلاف المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة CEPI.
ويُخشى ألاَّ تتمكن هذه الجهود من توفير أعداد كافية، أو معقولة، من الجرعات بأسعار مُدعمة لاثنتين وتسعين دولة منخفضة أو متوسطة الدخل مسجلة في إطار آلية “كوفاكس”. ليس ممكناً الآن توقع كمية الجرعات التي يمكن إنتاجها، سواء من اللقاحات التي بُدئ في التطعيم بها أو المتوقع الانتهاء منها خلال أسابيع أو أشهر، حتى نهاية العام، وبالتالي نصيب الدول الأقل دخلاً من هذه الجرعات.
ويتوقف نصيب هذه الدول، وغير قليل من البلدان ذات الدخول المتوسطة التي تحتاج بدورها دعماً، من جُرعات اللقاحات على كمية ما سيُنتج منها حتى نهاية العام. ووفق أكثر التوقعات تفاؤلاً، قد يصل عدد هذه الجرعات إلى ما بين مليارين وأربعة مليارات، بما يكفي لتطعيم مليار إلى ملياري شخص في كل أنحاء العالم.
ولذلك لا يوجد يقين بأن الحياة ستعود إلى طبيعتها في العالم، بما في ذلك الدول التي ستستطيع تطعيم معظم سكانها الراغبين. يمكن أن تعود الحياة الإنسانية والعلاقات الاجتماعية في هذه الدول إلى طبيعتها، وتقل تدريجياً الحاجة إلى الإجراءات الاحترازية اللازمة لتجنب العدوى، ويستطيع الناس التحرك والتزاور وإقامة أنشطة اجتماعية. غير أن الأمر يختلف بالنسبة إلى الأوضاع الاقتصادية وتداعياتها على الأفراد والشركات، ليس فقط لأن التعافي من الركود الذي ضرب معظم الاقتصادات الكبيرة يستغرق وقتاً، ولكن أيضاً بسبب استمرار خطر الفيروس في الدول التي ستحصل على أعداد محدودة من جرعات اللقاحات.
في هذه الدول أسواق مهمة لإعادة تنشيط التجارة العالمية بطريقة طبيعية، ووصول معدلاتها إلى المدى اللازم لتجاوز الركود الاقتصادي. ولا تستطيع الاقتصادات الأكبر في العالم الخروج من حالة الركود، أو تحقيق معدلات نمو معقولة في بعضها، من دون عودة أسواق الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل إلى طبيعتها.
غير أن عدم اليقين لا يقتصر على فرص انتهاء المعاناة المترتبة على جائحة كورونا، أو خفضها إلى مستوى يسمح بعودة الحياة إلى طبيعتها بشكل كامل عام 2021. لا يوجد يقين أيضاً بشأن التغيير الذي سيترتب على اختلاف متوقع في سياسة الدولة التي لا تزال الأكبر في العالم، بعد تنصيب رئيس جديد فيها، وانعكاساته سواء الإيجابية أو السلبية على العلاقات الدولية، والأزمات الإقليمية التي تُعد منطقة الشرق الأوسط بؤرتها الأكبر والأكثر اشتعالا.
وهذا كله جزء من حالة عدم يقين أوسع نطاقاً يمر بها العالم الآن، في ظل تحولات غير مسبوقة في حجمها ومداها بفعل قفزات تكنولوجية كبيرة ومتوالية تُعيد صوغ الكثير من أوجه الحياة على الأرض، وتُثير مع الوقت أسئلة جديدة لا توجد إجابات عنها، وبعد أن فقدت الأنساق الفكرية الكبيرة، التي ارتاح كثير من الناس في العالم إلى هذا أو ذاك منها على مدى نحو قرنين، القدرةَ على التطور. ولم يعد أي منها قادراً على تفسير التحولات السريعة في عصر الثورة الصناعية الرابعة، التي تقترب من إتمام ما بدأ في سابقتها، وتفتح آفاقاً جديدة وغير مسبوقة.