بقلم: وليد فارس – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- وإذ تتجه الأزمة الانتخابية في أميركا إلى خواتمها الدستورية النهائية هذا الأسبوع، تستمر الحكومات والقيادات في الشرق الأوسط في محاولات “التنجيم السياسي” لمعرفة مشاريع فريق بايدن للشؤون الخارجية تجاه المنطقة قبل تاريخ 20 يناير (كانون الثاني)، أي الفترة الرئاسية الجديدة. ويؤخذ في الاعتبار بالطبع دور المعادلات السياسية الجديدة في واشنطن، وهو أمر لم يكن في الحسبان في الإدارات الماضية، والسؤال يبقى افتراضياً: إذا وضعنا جانباً تأثير دونالد ترمب، أياً كان موقعه، في واشنطن أم من قصره في بالم بيتش فلوريدا، ما هي أجندات الرئيس المنتخب المفترض جو بايدن في المنطقة؟ لقد راجعنا ملف سوريا، فلننتقل إلى العراق.
أول ما يتبادر إلى الذهن عندما نبحث عن موقف السناتور بايدن حيال العراق، يمكن نبشه من الأرشيف، هو مشروعه الشهير الذي أعلنه 2006 وقدمه إلى مجلس الشيوخ في 2007 تحت عنوان تقسيم العراق إلى ثلاث دول: عربية شيعية في الجنوب، عربية سنية في الوسط، وكردية وأقليات في الشمال، وقارن السناتور بايدن وقتها مشروعه بسياسات جورج بوش التي اعتبرها متخبطة في ذلك البلد بقيادة المحافظين الجدد.
بالطبع أي كلام عن “تقسيم” أي بلد عربي، بما فيه العراق، يقابل برفض شامل من القوى السياسية القومية العربية والإسلاموية لأسباب أيديولوجية، وبحذر من قبل كل الحكومات الإقليمية التي تشكو من حركات انفصالية أو تعدد إثني، لذلك إذا طرح بايدن في إدارته المفترضة، أي مشروع لتقسيم العراق، وعلى الرغم من تأييد مفترض للأكراد في الشمال، فإن أكثرية العراقيين باستثناء الأقليات الإثنية، والدول المحيطة ستتصدى لهكذا مشروع، والمفارقة ان ثلاث قوى إقليمية، متخاصمة، ستضغط على بايدن للتراجع: الدول العربية، تركيا، وإيران، لذا، من المنتظر أن تتراجع واشنطن عن هكذا أجندة إذا طرحتها أصلاً، ما لم تحدث زلازل جيو سياسية في الإقليم، إلا أن بايدن كنائب رئيس لأوباما قد أعلن في 2014 أنه قد يدعم نظاماً فيدرالياً موسعاً في العراق.
لا أن الدستور العراقي الحالي هو اتحادي، أي نوع من الأنظمة الفيدرالية، لذا فلن يكون هنالك خلاف إن عاد بايدن، كرئيس مفترض، لدعم هكذا شكل من الحكم، لكن تبقى مسألتان في هذه الافتراضية، الأولى، نوعية الحقوق الفيدرالية للأقاليم، علماً أن الإقليم الوحيد الذي تمت فيه الفيدرالية بشكل عملي، هو إقليم كردستان العراق، على الرغم من المشاكل القائمة بين أربيل وبغداد، والمسألة الثانية هي قدرة الولايات المتحدة على التدخل في الأنظمة الداخلية للعراق، لأن المرحلة التي كان للأميركيين قدرة عملية وحق قانوني للتدخل أو المساعدة في مجال تنظيم المؤسسات الدستورية كانت خلال الاحتلال العسكري بين 2003 و 2011، أما في 2021 فالدور الأميركي منحصر في دعم القوات العراقية في حربها ضد “داعش”، وبالتالي ما لم تطلب الحكومة العراقية أو مكونات أساسية تدخلاً أميركياً مساعداً في حوار دستوري، فالدور الأساسي لواشنطن هو حول مستقبل القوات الأميركية في العراق، ودورها الإستراتيجي حتى تنتهي مهامها.
من هنا، الأسئلة الكبيرة هي حول دور هذه القوات حيال الأخطار الأمنية والأرهابية، هل سيبقي بايدن على القوات الأميركية في العراق، وإلى متى؟ وما سوف تكون طبيعة مهماتها؟
كيف ستكون علاقة القوات الأميركية بالدولة العراقية، بالميلشيات المؤيدة لإيران، بالأكراد، والعرب السنة، وبالمجتمع المدني العراقي؟ أسئلة كثيرة والوقت لا يزال مبكراً للإجابة، والمعادلات تتعدد مع الوقت، لكن، بما نعرفه الآن، هذه بعض الاحتمالات.
أولاً، كثير من الأمور تطورت في العراق منذ نهاية 2016، بما فيها ضرب الوجود الجغرافي لـ “داعش” وحصره، وتوالي الحكومات العراقية، وانتشار أوسع للحشد الشعبي، وأخيراً وليس آخراً تفجر ثورة شعبية لم تنطفئ بعد منذ 2019، إلا أن العامل الأكبر الذي لم يكن موجوداً خلال عهد أوباما هو المواجهة الدامية بين القوات الأميركية تحت قيادة ترمب والميليشيات التي تسيطر عليها طهران، ولعل الحدث الأكبر كان من دون شك، تصفية قاسم سليماني وقيادات ميليشياوية عراقية في بداية 2020.
فكيف يمكن استشراف مستقبل هذه التطورات تحت القيادة الافتراضية لبايدن؟ أولاً، من الواضح أن فريق الأمن القومي للرئيس المفترض، وقد أكدها أساساً، سيفك الاشتباك مع إيران بكل الوسائل الممكنة، أي أن اتفاقاً لوقف المجابهة العسكرية بين الطرفين سوف يكون أولوية، وثانياً، ستستكمل القوات الأميركية عملها ضد أشلاء “داعش” بالتعاون مع القوات العراقية، وثالثاً، سيبدأ تفاوضاً لسحب القوات الأميركية من العراق، رسمياً مع بغداد، ولكن إستراتيجياً مع إيران حول الاتفاق النووي، ومما لا شكّ فيه أن سرعة العودة إلى الاتفاق ستحدد سرعة الانسحاب من العراق.
أما بقية الملفات في الأجندة الأميركية حيال العراق تحت بايدن، فستتبع المحركات التقليدية، فريق بايدن سيستمر بعلاقة ثنائية جيدة مع الأكراد، ولكن ضمن حدود التفاهم مع إيران، وسيعزز العلاقة الثنائية مع الحكومات العراقية المتتالية لا سيما على الصعد الاقتصادية، النفطية والتجارية، ولن يدخل معترك التوازنات الطائفية الداخلية بحجم أكبر.
ستتكلم وزارة الخارجية الأميركية عن حقق الإنسان لكنها لن تتدخل بعمق لفكفكة الميليشيات، إلا بتفاهم مع طهران وبالتنسيق الشكلي مع بغداد.
بكلام استراتيجي ملخص، فريق بايدن سيعود إلى سياسة أوباما المرتبطة بالاتفاق النووي، وكل نتائجه على العراق، أي عملياً، ستخرج أميركا من العراق، بعد أن تدخل من جديد في الاتفاق مع إيران.