بقلم: هشام ملحم – النهار العربي
الشرق اليوم- نقل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والرئيس المنتخب، جوزف بايدن، معركتهما الانتخابية يوم أمس الاثنين، الى ولاية جورجيا الجنوبية التي فاز بها بايدن، وهو فوز لا يزال ترامب يرفضه ويسعى الى تقويضه. الذهاب الى جورجيا هو محاولة أخيرة للتأثير في الانتخابات الفرعية لاختيار عضوين لمجلس الشيوخ عن الولاية المحورية التي ستقرر اليوم الثلثاء، ليس فقط أي حزب سوف يسيطر على مجلس الشيوخ على الأقل للسنتين المقبلتين، ولكن أيضاً ما اذا كان الرئيس المنتخب بايدن سيكون قادراً على تمرير مشاريعه وسياساته في المجلس. وإضافة الى ترامب وبايدن زار الولاية أيضاً نائب الرئيس مايك بينس، ونائبة الرئيس المنتخبة، كامالا هاريس. ووصلت تكلفة المعركة على المقعدين الى أكثر من 830 مليون دولار، وهو مبلغ مذهل.
انتخابات جورجيا الفرعية سوف تحدث عشية يوم غدٍ الأربعاء المرجح لأن يكون اليوم الأخير والأهم منذ انتخابات الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حين بدأ الرئيس ترامب هجومه المستمر على النظام الانتخابي الديموقراطي لتقويض فوز بايدن عبر التشكيك بنتائج الانتخابات واتّهام الديموقراطيين بممارسة الغش والتزوير. وسوف يجتمع مجلسا النواب والشيوخ في جلسة مشتركة يديرها نائب الرئيس لعد أصوات المجمع الانتخابي للمرة الأخيرة والتصديق عليها، في آخر خطوة في عملية انتخاب الرئيس الطويلة.
وفي مهرجان انتخابي مساء أمس الاثنين في شمال الولاية لم يتورّع ترامب عن الضغط علناً على نائبه بنس ليتلاعب بنتائج الانتخابات قائلاً: “علّيّ أن أقول لكم، أني آمل بأن يساعدنا نائب الرئيس العظيم…”، من دون أن يحدد بالضبط ما يتوقعه من بينس. وتابع في تهديد مبطن، “لأنه اذا لم يساعدنا، فإنني لن أبقى معجباً به”. وعاد ترامب الى الثناء على بينس “الرائع” و”الذكي” الذي “عليه أن يتعامل مع الموضوع بطريقة واضحة”. وبعكس ادّعاءات ترامب، دور نائب الرئيس هو إجرائي محض، وكل ما عليه أن يقوم به هو قراءة أرقام أعضاء المجمع الانتخابي عن كل ولاية، وتسجيل أي اعتراضات يمكن أن يتقدم بها أعضاء الكونغرس، والتي يقوم كل مجلس لاحقاً بالتصويت عليها. كما واصل ترامب هجماته ضد حاكم ولاية جورجيا الجمهوري برايان كيمب، الذي رفض كما غيره من المسؤولين الجمهوريين في الولاية الرضوخ لضغوط ترامب لقلب نتائج الانتخابات لصالح الرئيس. وقال ترامب للحضور إنه سيعود الى الولاية في عام 2022 لمساعدة خصم كيمب في الانتخابات.
وكان الرئيس المنتخب بايدن قد سبق ترامب الى جورجيا بساعات لمساعدة المرشحين الديموقراطيين في مهرجان انتخابي. وأشار بايدن ضمناً الى مكالمة ترامب الهاتفية حين قال: “معارضونا يدركون الآن أن السلطة تعطى من الشعب” مشدداً على أن السياسيين لا يستطيعون “الاستيلاء على السلطة”. وخاطب بايدن الحضور قائلاً: “السلطة حرفياً في أيديكم، ومن خلال انتخابكم لجون أوسوف والقس رافايل وورنوك تستطيعون أن تكسروا الجمود المسيطر على واشنطن”. وكان بايدن بذلك يشير الى أن انتخاب المرشحين الديموقراطيين، سوف يخلق تعادلاً في الأصوات في المجلس، “خمسون ديموقراطي في مقابل خمسين جمهوري”، وكسر هذا التعادل يتم عادة من خلال مشاركة نائب الرئيس بالتصويت.
زيارات ترامب وبايدن لجورجيا جاءت عقب تطورات سياسية وانتخابية هزت الأوساط السياسية في واشنطن، وكان أبرزها مكالمة هاتفية أجراها الرئيس ترامب مع سكرتير ولاية جورجيا، براد رافينزبيرغر يوم السبت الماضي، وكانت المكالمة الرقم 18 قبل أن يقبل سكرتير الولاية أن يتحدث مع الرئيس. استخدم ترامب في شكل فظ أساليب الترهيب والترغيب لإقناع رافينزبيرغر بالتلاعب بنتائج الانتخابات وإعلانه الفائز بالولاية. صحيفة “الواشنطن بوست” حصلت على التسجيل الصوتي وبثته ونشرت نص الحوار يوم الأحد الماضي. المكالمة كانت محاولة سافرة من الرئيس الأميركي المنتهية ولايته لإقناع مسؤول انتخابي محلي بتغيير نتائج الانتخابات والتلاعب بالأرقام لقلب النتائج على رأسها واعلان ترامب الفائز في الولاية. ترامب كان “يتبضع” بضعة آلاف صوت. وصعق ملايين الأميركيين وهم يستمعون لصوت الرئيس وهو يقول: “كل ما أريده هو أن تفعلوا التالي، كل ما أريده هو أن تعثروا على 11780 صوتاً” لضمان فوزه قبل أن يعقب بعد نفاد صبره ما يمكن ترجمته للعامية العربية” خلصّوني بقا” Give me a break. وقال العديد من الحقوقيين: إن ترامب قد انتهك قوانين فدرالية وأيضاً قوانين ولاية جورجيا عندما حاول استغلال منصبه للضغط بشأن تغيير نتائج الانتخابات. وقال الصحافي الاستقصائي المخضرم كارل بيرنستين الذي كشف مع زميله بوب وودوورد عن فضيحة ووترغيت التي أدت الى استقالة الرئيس ريتشارد نيكسيون في 1974، إن مكالمة ترامب تبين أن انتهاكاته هي أسوأ من انتهاكات نيكسون خلال فضيحة ووترغيت.
وتميز يوم الأحد الماضي أيضاً بقيام جميع وزراء الدفاع الأمريكيين السابقين الأحياء وعددهم عشرة، بنشر رسالة غير مسبوقة حذروا فيها المسؤولين السياسيين والعسكريين في وزارة الدفاع من تنفيذ أي أوامر سياسية يصدرها ترامب وتهدف الى تعديل نتائج الانتخابات او لتحقيق أي هدف سياسي داخلي. وجاء في الرسالة التي نشرتها صحيفة “الواشنطن بوست”: “الجهود الرامية الى توريط القوات المسلحة لحسم الخلافات الانتخابية سوف تأخذنا الى مجالات خطيرة وغير قانونية ومخالفة للدستور. المسؤولون المدنيون والعسكريون الذين يأمرون أو ينفذون مثل هذه الإجراءات سوف تتم محاسبتهم، بما في ذلك مواجهة الأحكام الجنائية بسبب النتائج الخطيرة لإجراءاتهم على جمهوريتنا”. اللافت أن فكرة صياغة الرسالة جاءت من ديك تشيني نائب الرئيس السابق جورج بوش الابن. ووقع الرسالة كل من الوزيرين السابقين جيمس ماتيس ومارك أسبر اللذين خدما في حكومة ترامب، اضافة الى ليون بانيتا ووليام بيري الديموقراطيين وروبرت غيتس ووليام رامسفيلد الجمهوريين وغيرهم.
ولكن اليوم المفصلي الذي ستتركز عليه أنظار الملايين من الأمريكيين فهو يوم غد الأربعاء حين ينعقد مجلسا الكونغرس في جلسة واحدة للتصديق على انتخابات المجمع الانتخابي. عادة، هذا الاجراء، مثل عدّ اصوات المجمع الانتخابي الذي جرى في الرابع عشر من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، هو اجراء لا يحظى باهتمام الأميركيين، وتذكره وسائل الإعلام في شكل عابر. ولكن المقاومة التي يشنها ترامب وأنصاره ضد الرئيس المنتخب ونزاهة النظام الانتخابي، دفعت بعدد من المشرّعين الجمهوريين للإعلان مسبقاً عن أنهم سوف يحتجون ويرفضون الاعتراف بشرعية النتائج. وأعلن السناتور الجمهوري جوشوا هاولي الذي لديه طموحات رئاسية، انه سيتحدى نتائج الانتخابات في ولاية بنسلفانيا. ولحقه السناتور تيد كروز، المرشح الرئاسي السابق والمتوقع في 2024 الى تعبئة 10 أعضاء في مجلس الشيوخ أعلنوا أنهم سيرفضون التصديق على النتائج وسوف يطالبون بلجنة تحقيق بأي شوائب أو انتهاكات في الانتخابات تنهي أعمالها خلال 10 أيام. وأعلن أكثر من مئة عضو جمهوري في مجلس النواب أنهم سيعترضون على نتائج الانتخابات. الممانعون هؤلاء يريدون تسجيل مواقفهم، وإحراج الرئيس المنتخب بايدن، وهم يعتقدون أنهم بحاجة الى تأييد القاعدة الانتخابية المتحمسة لترامب في معاركهم الانتخابية المقبلة، كما يدركون أنهم لا يملكون الأكثرية في المجلسين لتغيير أي شيء.
هذه المعارضة الجمهورية اعتبرت بمثابة حالة تمرد ضد زعيم الأغلبية الجمهورية السناتور ميتش ماكونال، الذي حض الأعضاء في السابق لأن يتفادوا تحدي نتائج الانتخابات، خصوصاً أنه هنأ في خطاب في قاعة المجلس الرئيس المنتخب بايدن بعد فوزه بأكثرية أصوات المجمع الانتخابي في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي. المعارضة الجمهورية التي تريد التشكيك بشرعية انتخاب بايدن، ساهمت في خلق معارضة مضادة من قبل أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ من أبرزهم السناتور مت رومني المرشح الرئاسي السابق عن الحزب الجمهوري، من الذين وجهوا انتقادات قاسية للمشككين بنتائج الانتخابات واتهموهم بانتهاك الدستور والأعراف وخدمة أهواء وطموحات الرئيس ترامب الشخصية والتغاضي عن انتهاكاته السافرة، وإلحاق الأضرار بالمؤسسات الديموقراطية الأميركية وبسمعة البلاد في العالم. وهذه هي المرة الأولى منذ سنوات عديدة يحدث فيها مثل هذا الاقتتال الجمهوري الداخلي علناً، ما دعا ببعض المعلقين لوصف هذه المناوشات بأنها “حرب أهلية” بين الجمهوريين تسبب بها الرئيس ترامب الذي يحاول البقاء في السلطة عبر أي وسيلة ممكنة.
خلال تاريخ الرئاسة الأمريكية أخفق عشرة رؤساء “من بين 45 رئيساً، وآخرهم ترامب” في التجديد لأنفسهم لولاية ثانية. وعلى الرغم من استيائهم من النتائج، إلا أنهم احترموا نزاهة العملية الانتقالية والانتقال السلمي للسلطة من رئيس الى آخر. وحده دونالد ترامب لا يزال يمانع ويقاوم الاعتراف بشرعية انتخاب خلفه ويحاول كل ما في وسعه لقلب نتائج الانتخابات في محاولة انقلابية يقوم بها في وضح النهار ومن دون أي مبالاة بالقوانين والأعراف.
لا يزال أمام الرئيس ترامب 15 يوماً في السلطة، ومع مرور كل يوم تزداد مشاعر الخوف والقلق في الأوساط السياسية مما يمكن أن يقوم به الرئيس داخلياً وخارجياً للبقاء في السلطة، أو على الأقل نصب الألغام في طريق بايدن لإضعافه، وتفريغ المؤسسات الأمريكية من مضمونها الديموقراطي.