بقلم: هشام ملحم – النهار العربي
الشرق اليوم- مع حلول الذكرى الاولى للغارة التي أمر بها الرئيس دونالد ترامب، لقتل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الثالث من كانون الثاني ( يناير) قرب مطار بغداد الدولي، ازدادت التكهنات والتوقعات باقتراب حدوث مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وايران اما مباشرة أم داخل العراق.
وتأتي هذه التكهنات على خلفية تقارير صحفية تحدثت عن اجتماعات بين مسؤولين ايرانيين وقياديين في قوات الحشد الشعبي المؤلفة من ميليشيات عراقية تدعمها إيران، وعن حشود عسكرية أمريكية واسرائيلية في منطقة الخليج. كما جاءت هذه التكهنات والمخاوف في أعقاب تصعيد في هجمات الميليشيات المؤيدة لإيران ضد السفارة الأمريكية في بغداد والقواعد العسكرية التي تنتشر فيها القوات الأمريكية في العراق.
وكان الرئيس ترامب قد حّذر ايران قبل ايام من انه سيحملها مباشرة مسؤولية قتل ولو جندي أمريكي واحد في العراق. ولكن، في تطور مفاجئ، قرر وزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر، قبل يومين من ذكرى اغتيال سليماني، استدعاء حاملة الطائرات نيميتز التي كانت تبحر قرب إيران الى قاعدتها في الولايات المتحدة، في خطوة اعتبرها المحللون تخفيفاً للتوتر بين البلدين.
ويتعامل المحللون بجدية مع تحذيرات ترامب بعد الكشف عن انه قد ناقش مع كبار مساعديه المعنيين بالشؤون الخارجية والأمنية في اجتماع عقده بعد الانتخابات خيارات توجيه ضربة عسكرية ضد بعض المنشآت النووية الإيرانية. جاء الاجتماع عقب تقرير لوكالة الطاقة النووية اتهمت فيه إيران بتخصيب كميات من اليورانيوم تفوق ما يحق لها تخصيبه وفقا للاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن والمانيا في 2015، والذي انسحب منه ترامب في 2018 . وذكرت التقارير الصحفية آنذاك أن مساعدي ترامب، بمن فيهم الصقور المعروفون بتصلبهم ضد إيران مثل وزير الخارجية، مايك بومبيو، والقادة العسكريون نصحوا ترامب بعدم مهاجمة إيران.
وجاء قرار الرئيس ترامب بقطع اجازته في منتجعه في ولاية فلوريدا للعودة الى واشنطن قبل ليلة رأس السنة الجديدة لتزيد من هذه التكهنات. وخلال السنوات الاربع الاخيرة لم يهدد ترامب بمهاجمة أي دولة كما فعل ضد إيران. ولكنه تفادى الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة ضدها حتى بعد ان أسقطت طائرة استطلاع أمريكية مسيرة، وبعدما هاجمت إيران ناقلات نفط في مياه الخليج، وبعدما اطلقت الصواريخ والطائرات المسيرة لتقصف أهم منشآت النفط السعودية. رد إدارة الرئيس ترامب انحصر بإرسال امدادات عسكرية مثل نشر بطاريات صواريخ باتريوت المضادة للصواريخ، وطائرات مقاتلة في امدادات مؤقتة.
وفي الأسابيع الأخيرة ازدادت وتيرة إرسال الحشود العسكرية الأمريكية الى المنطقة، ومع توجيه ”رسائل” التحذير الأمريكية الدورية لإيران بما في ذلك تحليق طائرات استراتيجية قاذفة من طراز ب -52 من قاعدة في ولاية نورث داكوتا دون توقف لمدة 36 ساعة، كانت تقوم خلالها بالتحليق قبالة السواحل الإيرانية في الأجواء الدولية، قبل العودة الى قاعدتها. القاذفات الأمريكية قامت بثلاث “زيارات” من هذا النوع لايران. ومنذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي طلبت القيادة المركزية المسؤولة عن القوات الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط إرسال ألفي عسكري أضافي، وسرب من الطائرات المقاتلة الى منطقة الخليج. كما أبقت حاملة الطائرات نيميتز قرب مياه الخليج، كما أعلنت في خطوة لافتة عن إرسال غواصة مسلحة بصواريخ توماهوك القادرة على ضرب أهداف في العمق الإيراني الى منطقة الخليج. وفي تطور لافت أرسلت إسرائيل، عبر قناة السويس غواصة مسلحة بالصواريخ الى منطقة الخليج. وكانت إيران قد اتهمت إسرائيل بقتل العالم النووي محسن فخري زادة قبل شهرين.
ويقول المسؤولون الأمريكيون: إن الهدف من هذه الحشود هو ردع إيران عن القيام بأي اجراء عسكري أو أي عمل إرهابي عبر ميليشياتها إما ثأرا لقتل قاسم سليماني، أم ثأراً للعالم فخري زادة. وهذا ما أكده رسميا الجنرال كينيث ماكينزي قائد القوات المركزية بقوله: “تواصل الولايات المتحدة نشر قواتها وقدراتها القتالية في منطقة عمليات القيادة المركزية لردع أي خصم محتمل، ولكي نوضح باننا مستعدون وقادرون على الرد على أي عدوان موجه ضد الأمريكيين أو ضد مصالحنا”.
ولعل أكثر التطورات التي أثارت قلق الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب، جوزف بايدن، والمحللين العسكريين، وبعض الحلفاء الأوروبيين هو قرار وزارة الدفاع، بايعاز من البيت الأبيض تعليق أو تقليص الاتصالات والاجتماعات بين فريق بايدن الانتقالي والمسؤولين في وزارة الدفاع والاجهزة الاستخباراتية، ربما لكي لا يطلع طاقم الرئيس المنتخب على أي خطط عسكرية طارئة بشأن التوتر المستمر مع إيران. وكان ترامب عقب إقالته لوزير الدفاع، مارك أسبر، فور انتهاء الانتخابات، عين عددا من الموالين له كمسؤولين مؤقتين في وزارة الدفاع، ما أثار قلق الأوساط الأمنية والاستخباراتية.
وخلال الاسبوع الماضي، بعثت وزارة الدفاع برسائل متناقضة حول احتمالات المواجهة مع إيران، فقد قال مسؤولون فيها: أن مستوى التهديدات الإيرانية هو الأعلى الأن منذ عملية قتل سليماني، بينما قال مسؤولون أخرون أن بعض الإجراءات الإيرانية مثل زيادة تسليح الميليشيات العراقية أو نشر صواريخ قصيرة المدى في العراق، هي إجراءات دفاعية واحترازية تحسبا لأي هجوم أمريكي، وليس بالضرورة للتحضير لشن هجمات ضد الأمريكيين في العراق. وخلال الأسبوع ذاته، حلقت طائرات ب-52 الاستراتيجية قبالة السواحل الإيرانية، في الوقت الذي قال فيه مسؤولون: إن وزير الدفاع بالوكالة، كريستوفر ميلر، قد رفض توصيات بابقاء حاملة الطائرات نيميتز قرب إيران، وأمر بسحبها من المنطقة. ويقول المحللون الذين يراقبون وزارة الدفاع عن كثب أن هيئة الاركان العسكرية المشتركة لا تريد مواجهة عسكرية مع إيران، وخاصة في غياب استفزازات إيرانية كبيرة، ونظرا لأن البلاد هي في منتصف فترة انتقالية حساسة، وفي غياب أي غطاء سياسي أوروبي لمثل هذا التصعيد. كما أن هناك معارضة قوية في أوساط الديموقراطيين في الكونغرس لأي ضربة عسكرية لأيران في غياب استفزاز واضح، وهذا موقف القادة الجمهوريين في مجلس الشيوخ أيضاً.
ومن الصعب التنبؤ بما يمكن ان يفعله الرئيس ترامب الذي يركز كل جهوده في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض على قلب نتائج الانتخابات، وهي جهود يعتبرها معظم المحللين والمشرعين الأمريكيين عبثية. تقليديا، يتفادى الرؤساء الأمريكيون خلال الفترة الانتقالية بين الانتخابات وتنصيب الرئيس الجديد اتخاذ أي قرارات جذرية وخاصة في مجال السياسة الخارجية والأمنية. ولكن الذين يتخوفون من ان يجازف ترامب بضرب ايران يشيرون الى أنه ربما يعتقد أن مثل هذه الضربة يمكن ان تؤخر استلام بايدن للسلطة، على الرغم من أن هذا الاحتمال مستحيل لأن الدستور الأمريكي ينص على أن الرئيس المنتخب يجب أن يستلم صلاحياته الدستورية في العشرين من كانون الثاني (يناير). ولكن هؤلاء يضيفون أن قيام ترامب باصدار الأوامر لتوجيه ضربة جوية مكثفة للمنشآت النووية الايرانية سوف يؤدي الى قتل الاتفاق النووي مع إيران بشكل نهائي، لأن الرئيس المنتخب أعلن أكثر من مرة أنه يرغب باحياء وتطوير الاتفاق، وبأنه يريد أن يسير على الطريق الديبلوماسي في تعامله مع إيران، إذا كانت القيادة في طهران مستعدة لذلك.
أي ضربة عسكرية لإيران يأمر بها ترامب سوف تقوّض فرص الرئيس بايدن حتى باستئناف الاتصالات الديبلوماسية المباشرة مع إيران في المستقبل المنظور ناهيك عن أحياء الاتفاق النووي.
…بدأ الرئيس ترامب سنة 2020 باستخدام العنف ضد هدف إيراني هام سياسياً وعسكريا، فهل يبدأ سنة 2021 قبل أيام من مغادرته للبيت الأبيض بعنف جديد ضد إيران؟