الرئيسية / مقالات رأي / مستقبل الحزب الجمهوري والسياسة الخارجية للولايات المتحدة

مستقبل الحزب الجمهوري والسياسة الخارجية للولايات المتحدة

إعداد: مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الشرق اليوم- مع استمرار الشخصيات الرئيسية داخل الحزب الجمهوري في إبعاد أنفسهم ببطء شديد عن دونالد ترامب وإصراره المستمر على أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في نوفمبر قد «سُرقت» منه بطريقة احتيالية، يخضع مستقبل «الحزب القديم العظيم» البالغ من العمر 166 عامًا لتدقيق متزايد باستمرار. وتعد هذه الفترة حاسمة للحزب الجمهوري بلا شك، في حالة انحسار تأثير أو اهتمام ترامب بالسياسة الأمريكية بمجرد خروجه من منصبه. وبحسب محللين، سيحتاج الحزب المحافظ الكبير في البلاد إلى إعادة تقويم رؤيته قبل انتخابات التجديد النصفي في عام 2022 والانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024.

ولاستكشاف هذه الآلية المهمة، استضاف المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، ومقره لندن، ندوة عبر الإنترنت، بتاريخ 2 ديسمبر 2020. تحدث فيها المحللان الدكتورة كوري شاك، مديرة دراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة، والأستاذ ماثيو كرونيغ من قسم الشؤون الحكومية في كلية إدموند أيه والش للخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون. وأدارت الندوة الدكتورة ليزلي فينجاموري، مديرة برنامج الولايات المتحدة والأمريكتين في المعهد الملكي للشؤون الدولية. 

وفي افتتاح الندوة بدأت فينجاموري بوصف الاتجاه المستقبلي للحزب الجمهوري بأنه «أحد أهم القضايا» في السنوات القليلة المقبلة في السياسة العالمية، خاصة أن رفض ترامب المستمر لقبول نتيجة الانتخابات يعني أن أمن الديمقراطية الأمريكية «يمر بفترة مضطربة للغاية». وأشارت أيضًا إلى أن هذا السؤال حاسم «لمستقبل أمريكا»، حيث إنه على الرغم من خسارته النهائية، إلا أن أكثر من 70 مليون أمريكي قد صوتوا لصالح ترامب في نوفمبر.

بعد ذلك تحدثت الدكتورة كوري شاك، مشيرة إلى أن الحزب الجمهوري متورط الآن في «حرب أهلية هائلة». وأكدت أنها لا تزال منتقدة «غير نادمة» للرئيس المنتهية ولايته، وأن مخاوفها تتعلق بسياساته الداخلية أكثر من سياساته الخارجية.

وأكدت شاك أنه على الرغم من «سلسلة إخفاقات» ترامب، إلا أنه لا يزال قادرًا على جذب قاعدة دعم واسعة؛ مشيرة إلى أنه استقطب أصوات ثلث الناخبين الأمريكيين من أصول لاتينية و25% من الناخبين الأمريكيين من أصل إفريقي دون سن 25 عامًا، «على الرغم من مدى فظاعة» خطابه خلال فترة رئاسته. 

وتعليقًا على مستقبل ترامب نفسه، قالت شاك إن رفض قبول النتيجة في عام 2020 «سيضعف مصداقية رغبة ترامب في إعادة انتخابه في عام 2024»، وأن الجمهوريين الذين دعموا ترامب خلال رئاسته «من المرجح أن يجدوا مرشحًا آخر» يمكنه أيضًا توفير نفس التخفيضات الضريبية وتعيينات القضاة المحافظين، ولكن دون الموجة اللا نهائية من الجدل المرتبط بالرئيس المنتهية ولايته. 

وفيما يخص «المتنافسين المعينين ذاتيا» للترشح القادم لمنصب الرئاسة عن الحزب الجمهوري، قالت شاك إن تفرد النظام السياسي الأمريكي يعني أن «أي شخص يمكنه أن يُنتخب رئيسًا، وغالبًا ما يفعل ذلك»، لكن أولئك «الذين يعتقدون أنهم منافسون» اتخذوا بالفعل مناهج «صارمة» للسياسة الخارجية التي تحافظ على نهج «أمريكا أولاً» لترامب. 

وفي حديثه عن مستقبل الحزب فيما بعد ترامب، قال البروفيسور ماثيو كرونيغ، إنه من المتوقع العودة إلى سياسات الحزب الجمهوري التقليدية في السنوات المقبلة. كما زعم أن ترامب كان محافظًا تقليديًّا «أكثر مما يقدره الكثيرون»، مع وجود الاختلافات الرئيسية في «الأسلوب» و«الإدارة السيئة» والافتقار العام إلى فهم الشؤون الدولية، وليس في أفكار السياسة. وسلط الضوء على عدد من السياسات الأمنية التي نُسبت إلى الترامبية، مثل معارضة الاتفاق النووي الإيراني، والزيادات في الإنفاق الدفاعي، وتحديث ترسانة الأسلحة النووية الأمريكية، وكان من الممكن أيضًا أن تكون «الرغبة في المُضي قُدمًا بمفرده» على الصعيد الدولي من سمات السياسة الخارجية لأي رئيس جمهوري بديل من 2017 إلى 2021. 

وتبدو ديناميكية أخرى مهمة للمستقبل أكدها كرونيغ، وهي كيف أن السياسة الخارجية لم تعد قضية انتخابية مهمة كما كانت في السابق. واستشهد برأي علماء العلوم السياسية كونهم يؤمنون بأن «الأمريكيين لا يصوتون على السياسة الخارجية»، بل على قضايا «الشأن الداخلي»، مثل حالة الاقتصاد واختيار قضاة المحكمة العليا والقضايا الرئيسية في الآونة الأخيرة. ويبدو أن الانتخابات الرئاسية يغلب عليها ذلك أيضًا، حيث تلعب قضايا مثل جائحة الفيروس التاجي وتعافي الاقتصاد الأمريكي دورًا رئيسيًّا بالنسبة للناخبين.

وفيما يتعلق بالمتنافسين الحاليين على المرشح التالي لرئاسة الحزب، أشار إلى أن «مايك بومبيو من المرجح أن يترشح» إلى جانب شخصيات مثل نيكي هالي، مايك بنس، ماركو روبيو وتيد كروز. 

وبالانتقال إلى أسئلة أعضاء الندوة، سألت فينجاموري كلا من شاك وكرونيغ، كيف يمكن أن يستمر الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة في الوثوق بالولايات المتحدة في دورها الدولي الرائد نظرًا إلى إمكانية عودة الجمهوري الترامبي إلى سياسات «أمريكا أولاً» بعد عام 2024؟ وردًّا على ذلك، صرح كرونيغ بأن هذا سيكون «سؤالاً يصعب الإجابة عليه في حال فاز ترامب»، وأنه بوجود بايدن في البيت الأبيض هناك «شعور أوضح» للولايات المتحدة بإعادة الانخراط في الشؤون الدولية. وكانت القضية التي أشار إليها كرونيغ هي «التحدي المشترك» للصين الصاعدة، والتي ادعى فيها أن الولايات المتحدة ستكون في وضع أفضل بكثير بمساعدة الحلفاء الغربيين. 

وأضافت شاك أيضًا أن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة «لا ينبغي أن يقلقا» بشأن احتمالية تقليل حجم المساعدة الأمريكية في الأيام المقبلة لهذا التكتل؛ حيث بات يتمتع بعض الرؤساء والسياسيين الأمريكيين بتاريخ طويل من الوعود بعدم الانخراط دوليًّا، وعدم ممارسة دور أقوى لواشنطن أثناء الحملات الانتخابية، وعلى الأخص من قِبَل «وودرو ويلسون» و«فرانكلين روزفلت»، ولا يخفى أن هذا الأمر يشير إلى أنه لطالما كان هناك «صراع دائم لحمل الأمريكيين على الالتزام» بالقضايا الدولية. ومع ذلك، كان لتصريحات كرونيغ بشأن الصين بعض الصدى، فقد أضاف أن القيم والمعتقدات المشتركة هي «الدعائم التي تجعل الولايات المتحدة وأقرب أصدقائها في انسجام تام» وهذه «الدعائم تمثل أساس التعاون».

وسأل السير «ديفيد مانينغ»، السفير البريطاني السابق لدى الولايات المتحدة بين عامي 2003 و2007, عما إذا كان بإمكان الرئيس المنتهية ولايته أن يترشح بواقعية في عام 2024, وما إذا كان بإمكان عائلة ترامب بدلاً من ذلك ممارسة الكثير من «التأثير» على الحزب الجمهوري. وهنا ردت «شاك» على هذا الأمر بالتعليق على أنها «لديها شكوك» في أن ترامب سيواصل لعب دور رئيسي داخل الحزب الجمهوري بمجرد خروجه من البيت الأبيض، وأنه سيركز بدلاً من ذلك على جمع التبرعات للقيام بالطعون القانونية في نتيجة الانتخابات الرئاسية، وتم تخصيص 70% بالفعل من تلك الأموال التي تم جمعها مباشرة للرئيس المنتهية ولايته للتصرف فيها.

وفيما يتعلق باحتمالية وجود أسرة ترامب في مسرح السياسة الأمريكية ولعب دور بها، أشارت «شاك» بوضوح أيضًا إلى أن ترامب فكر مليًّا في «إبعاد بنس عن الانتخابات الرئاسية عام 2020 واستبداله بابنته «إيفانكا». ومن جانبه قال كرونيغ إنه «من الممكن» أن «يتلاعب ترامب بفكرة» الترشح مرة أخرى في عام 2024, لكنه يأمل أن «يتعلم الحزب الجمهوري الدروس» من حالة الانتخابات الرئاسية عام 2016, حيث إن «مجموعة متنوعة من المرشحين الرئيسيين لمنصب الرئاسة» سمحت لشعبوية ترامب بالظهور. 

وردًّا على سؤال آخر، وجهه الدبلوماسي البريطاني السابق «ديفيد هاناي»، حول ما إذا كانت الصعوبات القانونية التي يواجهها ترامب يمكن أن تؤثر على فرصه في إعادة انتخابه، خاصة بالنظر إلى أن المواطنين الأمريكيين يزعجهم وجود «رئيس محتال تحت أروقة البيت الأبيض»، أصرت شاك على أن ترامب «من المرجح أن يُسجن بتهمة التهرب الضريبي»، وأن التحقيقات القانونية التي تجريها ولاية نيويورك ستُضعف على الأرجح ما زعمه من مؤامرة «وجود ما يسمى بالدولة العميقة»، والتي كانت تعمل على إضعاف حكمه.

وفي تصريحاتها الأخيرة المتعلقة بدور الحزب الجمهوري المتوقع في الكونجرس الأمريكي، علقت شاك بأن إدارة بايدن القادمة تقدم «شريان حياة» للجمهوريين على أساس الشراكة والتعاون والتوافق المشترك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي للتصدي لفيروس «كوفيد- 19»، لكن هؤلاء الجمهوريين سيعودون بالتأكيد إلى كونهم «صقور العجز»، وهو مصطلح سياسي للأشخاص الذين يركزون بشكل كبير على إبقاء الميزانيات الحكومية تحت السيطرة، في أوقات المعارضة. وفي هذا السياق، أعرب كرونيغ عن تصريحاته بنبرة «تشاؤمية» عبر التنبؤ بأن أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين سوف يتفاعلون بشكل سلبي مع إعادة انضمام بايدن إلى الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاق باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني رافضين موافقة الكونجرس الأمريكي على ذلك. وربما هذا الأمر سيمثل مقدمة لفترة من الاستقطاب داخل السياسة الخارجية الأمريكية بين الديمقراطيين والجمهوريين خلال رئاسة بايدن.

في النهاية، قدّم الحدث الذي كان تحت رعاية مؤسسة تشاتام هاوس البحثية حول مسألة مستقبل السياسة الخارجية للحزب الجمهوري وصفًا شاملاً للتحديات التي تواجهها مثل هذه السياسة في أعقاب هزيمتها الانتخابية المؤلمة. وعلى الرغم من عدم إجراء فحص مفصل للتغييرات المحتملة في تلك السياسة الخارجية بشأن قضايا مهمة، مثل إيران أو الصين، إلا أنه لا يزال من السهل استنتاج أن المناقشة تشير إلى أنه من غير المتوقع وجود أي انحرافات كبرى في السياسة الخارجية للجمهوريين عن تلك الخاصة والمتبناة من قِبَل إدارة ترامب في المستقبل القريب. وبالنسبة للدور المتوقع للحزب الجمهوري في الإدارة الأمريكية الجديدة فإن ذلك يعتمد على الموقف الذي سيتخذه ترامب بمجرد خروجه من منصبه. 

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …