بقلم: علي قباجة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- أمِلَ العالم من مشرقه إلى مغربه أن يكون العام 2021 نهاية للمآسي على تنوعها، من كوارث وحروب وفيروس وغيرها من الأزمات التي اجتاحت البشرية، غير أن رياح العام الجديد ربما ستخالف هوى سفن الأمل العالمية، لاسيما بعد أن طفت على السطح شرارة خلاف روسي غربي يخشى الجميع من أن تتقد جذوته، إلى اصطفاف عالمي إلى جانب هذا المعسكر أو ذاك، وهو ما ينذر بحرب قد لا يكون الاقتصاد آخر حدودها.
الكل يبحث عن شماعة يؤجج بها خبايا نفسه، وهو ما عمل عليه الغرب ومن خلفه أمريكا، حيث رأوا في قضية تسميم المعارض الروسي أليكسي نافالني، والتجسس الروسي ذريعتين لهما يُحرجان بهما موسكو، ويبرران الإجراءات التي وصفوها بالرادعة ضدها، من قبيل طرد الدبلوماسيين الروس، لما يشكلونه من خطر على الدول المبتعثين إليها، إلى جانب إطلاق التهديدات الاقتصادية بتجميد الأصول وحظر السفر على مسؤولين ورجال أعمال وهيئات روسية، في محاولة للضغط على موسكو لجرها عنوة إلى الإرادة الغربية، في رسالة واضحة أن عصر القطبين الثنائيين ولّى إلى غير رجعة، وأن العالم بات تكتلات والغلبة لمن يحشد إلى جانبه دولاً ذات ثقل أكثر.
على الرغم من أن موسكو الموصوف سلوكها غربياً ب«الطيش» حاولت امتصاص التهجم الغربي تجاهها بعبارات دبلوماسية منمقة، فإنها اضطرت أخيراً للخروج عن صمتها، لتعلن أنها تقف نداً للغرب وداعمه الأمريكي، وردت الصاع لأوروبا بمثله وبما يزيد عليه، حيث لجأت إلى فرض عقوبات على دول غربية عدة مهددة بإجراءات أشد قسوة، معتمدة على لغة الأرقام لتكون الفيصل في تحديد المنتصر، ولجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تذكير الغرب بأن بلاده ليست الخاسر الوحيد في المعركة الحالية؛ إذ إن خسائر بلاده التي مُنيت بها من جراء العقوبات المتبادلة تُقدر بنحو 50 مليار دولار، فيما خسر الاتحاد الأوروبي 240 مليار دولار، والولايات المتحدة 17 مليار دولار، واليابان 27 مليار دولار، في رسالة مفادها أن موسكو لا تزال رقماً صعباً ولها ثقلها عالمياً، ولن تقبل على الرغم من تقلص مساحتها بعد زوال الاتحاد السوفييتي أن تكون تحت إمرة أي أحد مهما كلّفها ذلك من أثمان.
الفعل الأوروبي ورد الفعل الروسي اللذان لم تكن 2020 بما حملته من مآسٍ كفيلة بطي صفحاتهما، يُنذران بأننا ربما لن نهنأ في 2021 بعام هادئ كما أمِلَ الجميع، وأن العالم يسير أكثر نحو التكتلات بدل الاصطفاف في خندق واحد، لمواجهة ما يتهدد البشرية جمعاء من كوارث طبيعية وصحية لم تطوَ بعد صفحة أشدها فتكاً، والمتتبع للتحركات العالمية يدرك أن الجميع بات أكثر إصراراً على التمسك بموقفه وتعويم إرادته بغض النظر عن مدى ما تجره من ويلات على الإنسانية.
الغرب وروسيا وما يحيك كل منهما للآخر، هو العنوان البارز للعام الجديد، وبما أن العبارات الدبلوماسية بين الطرفين باتت خلف ظهر المعسكرين، فإن ما يُخشى منه أن يتطور العداء بين الطرفين إلى مواجهات تحصد فيها البشرية ضحايا وويلات هي في غنى عنها.