بقلم: خيرالله خيرالله – العرب اللندنية
الشرق اليوم– كانت 2020 سنة كلّ الكوارث. لكنها كانت قبل أيّ شيء آخر سنة انتشار وباء كورونا، الذي سمّي كوفيد – 19، واكتشاف لقاحات له.
خلّف كوفيد – 19، الذي سيستغرق الانتصار عليه وقتا طويلا أضرارا في كلّ أنحاء العالم. غيّر طبيعة المجتمعات، بما في ذلك أسلوب ممارسة المرء لمهنته وذلك عن طريق العمل انطلاقا من منزله بدل الذهاب إلى المكتب. كم من المكاتب سيُستغنى عنها مستقبلا؟ هذا السؤال سيطرح نفسه بحدّة ومعه ستطرح طبيعة العلاقات بين الموظفين في الشركة الواحدة، الذين لن تقوم بينهم علاقات إنسانية طبيعية وتفاعل يومي بسبب عدم وجود المكتب الذي يعملون منه. إلى جانب ذلك، توقفت السياحة العالمية ولحقت خسائر ضخمة بكلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بالسياحة والسفر واللهو، بدءا بشركات الطيران وانتهاء بالمطاعم والفنادق والملاهي والمعالم التاريخية، التي كان يتمّ الاعتناء بها وصيانتها من خلال مداخيل تولّدها السياحة.
هذا غيض من فيض ما خلفته 2020 التي غيّرت العالم، كما منعت دونالد ترامب من الحصول على ولاية رئاسية ثانية. يعود ذلك إلى سلسلة الأخطاء التي ارتكبها الرئيس الأميركي في المواجهة مع كوفيد – 19، إذ أثبت إلى حدّ كبير أنّه شخص متهوّر، يرفض الاستماع إلى نصائح الخبراء في أحيان كثيرة. رفض الاستماع إلى نصائح الجهات التي كانت تدرك معنى الانتشار الواسع لكوفيد – 19، وضرورة عدم الاستخفاف به وبالكمامة… تحدّى كوفيد – 19، الذي استطاع إلحاق الهزيمة به!
كان أداء ترامب منذ بدأ الوباء ينتشر سيّئا. لم يعرف حتّى التعاطي مع موضوع اللقاحات وكيف يمكن تسويق هذا الموضوع ليصبّ في مصلحته. انتهى به الأمر وهو يردّد، في عزّ حملته الانتخابية، “كوفيد، كوفيد، كوفيد، لم أعد أسمع سوى هذه الكلمة!”.
في النهاية تكفّل الوباء بمنع ترامب من العودة إلى البيت الأبيض، وفتح الطريق أمام انتصار كبير للمرشّح الديمقراطي جو بايدن الذي لا يزال لغزا كبيرا على الرغم من أنّه حاضر في السياسة الأميركية منذ العام 1973 عندما دخل مجلس الشيوخ الأميركي، وصولا إلى شغله موقع نائب الرئيس في عهد باراك أوباما بين 2009 و2017.
غيّر كوفيد – 19 الولايات المتحدة نفسها مثلما غيّر العالم. ليس معروفا بعد كيف سيتعامل جو بايدن الذي لن يمضي في البيت الأبيض سوى ولاية واحدة من أربع سنوات، بسبب تقدّمه في العمر، مع الوضع الداخلي الأميركي في ضوء ما حصل من أضرار. هناك مدينة مثل نيويورك فقدت الكثير من ميزاتها. نيويورك لم تعد نيويورك، المدينة التي تضجّ بالحياة صارت مدينة شبه ميتة، على حد تعبير الذين زاروها حديثا.
كان متوقعا أن يفوز ترامب بولاية ثانية بسبب الاقتصاد. لم يكن هناك من يتصوّر أن أحدا يستطيع منعه من ذلك. ففي السنوات الثلاث الأولى من عهده، صار يقال في الولايات المتحدة إن العاطل عن العمل هو شخص يرغب في البقاء عاطلا عن العمل. هل سيكون لدى بايدن والفريق المحيط به متسع من الوقت للاهتمام بما يدور في العالم مع تركيز خاص على التحدّي الصيني والعلاقة بروسيا وترميم الجسور مع أوروبا؟
الأكيد أن تغييرا كبيرا سيطرأ على السياسة الخارجية الأميركية، خصوصا أن التركيز لدى المشرفين على هذه السياسة في عهد بايدن، الذي سيبدأ في العشرين من الشهر الجاري، هو على إقامة تحالف واسع في مواجهة الصين. يشمل ذلك دولا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام، وهي دول تخشى التوسّع الصيني، كلّ منها لأسباب خاصة بها. كذلك، يشمل التحالف استعادة أوروبا التي تجاهلها ترامب مثلما تجاهل حلف شمال الأطلسي.
أمّا إيران التي راهنت على سقوط ترامب، فهي ليست مستعدة للانتظار طويلا كي تباشر الإدارة الجديدة البحث في إعادة الحياة إلى الاتفاق في شأن ملفّها النووي. تريد إيران، بكل بساطة، استخدام الابتزاز الذي تمارسه عبر تخصيب اليورانيوم، من أجل رفع العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة ترامب عليها. ما الذي ستفعله إدارة بايدن التي لا تبدو مستعجلة على الدخول في صفقة جديدة مع إيران، فيما “الجمهورية الإسلامية” في وضع لا تحسد عليه بسبب تأثير العقوبات الأميركية على اقتصادها؟
ما رشح إلى الآن من اتصالات تمهيدية أجريت بين ممثلين لإدارة بايدن من جهة ومسؤولين إيرانيين من جهة أخرى، أن الولايات المتحدة ستكون مستعدة للبحث في العودة إلى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني الموقع صيف العام 2015 في عهد باراك أوباما. لكنّ هذه العودة ستكون مرتبطة بشروط معيّنة من بينها السلوك الإيراني في المنطقة والصواريخ الباليستية.
على الرغم من أولوياتها المختلفة، ستجد إدارة بايدن أن الملفّ الإيراني ككلّ، وليس ملف الاتفاق النووي وحده، سيفرض نفسه شاءت ذلك أم أبته. العراق، الذي تعمل فيه إيران على إثبات وجودها أكثر، سيكون في الواجهة أيضا. ما لا يمكن تجاهله أيضا الاهتمام الإسرائيلي بالملفّ الإيراني من زوايا عدّة. إسرائيل مستعجلة أيضا مثلها مثل إيران. هناك اهتمام إسرائيلي متزايد بالصواريخ الباليستية الإيرانية وبالوجود الإيراني في الأراضي السورية، خصوصا في جنوب سوريا. من الواضح أن إسرائيل تدفع الإدارة الأميركية الجديدة إلى أن تكون أكثر حضورا في مواجهة إيران.
يشير ما نشهده في هذه الأيّام الفاصلة عن دخول بايدن البيت الأبيض إلى مناورات إيرانية. في أساس هذه المناورات رهان على أن إدارة ترامب لا يمكن أن تقدم على أيّ عمل عسكري، فيما هو يستعد للخروج من البيت الأبيض من جهة وأن إدارة بايدن ليست، بدورها، في وارد الإقدام على أي مغامرة من جهة أخرى. إلى أي مدى ستذهب إيران في مناوراتها في ذكرى مرور عام على تصفية الأميركيين لقاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” بعيد مغادرته مطار بغداد؟
تصعب الإجابة عن مثل هذا السؤال. الأكيد أن كوفيد – 19 وما خلّفه في الداخل غيّر الأولويات الأميركية. هل الحسابات الإيرانية القائمة على الاستفادة من هذا التغيير في محلّها أم أن القرار الأميركي بوضع إيران في حجمها الحقيقي يتجاوز إدارة ترامب ويتجاوز أيضا إدارة بايدن؟