بقلم: منير أديب – النهار العربي
الشرق اليوم- لا شك في أن عام 2020 من أكثر الأعوام الثقيلة التي مرت على البشرية، ففي هذا العام ودّع منا الكثير أقاربه ومحبيه كما ودّع العام أمن وسلامة هذا العالم، فترك النّاس في العراء طيلة أيامه ولياليه الطويلة، سواء من قتلوا جراء فيروس كوفيد-19 أو من قتلوا جرّاء الإرهاب الذي ضرب العالم من شرقة إلى غربه خلال الإثني عشر شهراً الماضية.
حقاً كان العالم أكثر اضطراباً في هذا العام، مر على البشرية كمئة عام مما تعدّون، ضارباً بقرنه صحة وحياة النّاس من دون أن يُبالي بضعف ومن دون أن يَسمع لأنّات الثكالى والمكلومين الذين حصد الإرهاب أرواحهم. كان عاماً غليظاً في قسوته، كلما مرت أيامه ظهرت ملامحه الحقيقية التي تحاول البشرية أن تتداوى منها حتى يطيب لها العيش في عام جديد يتمنون أن يكون مختلفاً عن سابقه.
وجه الإرهاب المخيف لم يبتعد كثيراً من المشهد، بل شكل صورة مظلمة لهذا العام، فتحالف مع الفيروس اللعين لمواجهة البشرية، فعزفا كلٌ منهما سيمفونية الموت وحصدا أرواح ملايين البشر، فتعطلت الحياة حتى أصبحت حياة بلا حياة. أستغل الإرهاب الظرف الصحي الذي مر ولا يزال على العالم، فتمدد وانتشر بخلاياه بعد أن حظر على العالم الحركة وعزل النّاس في منازلهم، فسمع أنين البشريه التي خارت قواها أمام مواجهة كلا الفيروسين.
اختبأ الإرهاب وراء كمامة وضعتها البشرية على نصف وجهها خلال عام 2020 مشاركاً الفيروس في الهجوم على هذه البشرية الضعيفة، حتى بات هو والفيروس الأشد فتكاً لهذا العالم، ورغم ذلك كان هذا العالم منشغلاً بطريقة القضاء على الفيروس وبسرعة التوصل إلى لقاح يحد من الإصابه أو الأعراض التي تُصيب الإنسان، بينما تركوا فيروس الإرهاب مختبئاً، وهو الأكثر تهديداً للبشرية.
حقق العالم صموداً أمام مواجهة كوفيد-19 وفيروس الإرهاب معاً، ولكنه دفع ضريبة هذه الفيروسات من حياته وأمنه واستقراره، ولكن السؤال الذي يبحث عن إجابه، ماذا يستطيع أن يفعله كلا الفيروسين لهذا العالم في العام الجديد 2021؟ وكيف يمكن لهذا العالم أن يواجه هذه الفيروسات بتحوّرها؟ وهل تضعنا الأقدار أمام كتابة مقالة جديدة في نهاية العام الجديد 2021 لنحكي أو نتباكى على ما حدث فيه؟ هذه الأسئله على قدر قسوتها إلا أنها تفرض تحدياً أمام الباحثين وقادة الرأي والمفكرين لمحاولة الإجابه عنها حتى تستعد لها البشرية الضعيفة.
العالم ما زال يقف مشدوهاً أمام ما تعرض له خلال عام 2020، ولا أعتقد أنه في حالته الطبيعية كي يستطيع أن يواجه هذه الفيروسات القاتلة. أعتقد أن المهمة أكبر وهي على قدر الخطر الذي يواجهه العالم في 2021، وهو ما يفرض تحدياً كبيراً أمام العالم حتى تمر السنة الجديدة بخسائر أقل مما كانت في العام 2020.
على العالم أن يتنبه في بدابة سنته الجديدة وأن يكون أكثر حذراً… عليه أن يرسم ملامح السنة المتوقعه في بدايتها، وألا تقتصر رؤى الباحثين والكتّاب والمفكرين على مجرد وصف العام السابق بأنه عام سيّئ، ولكن لا بد من أن يرسموا ملامح العام الجديد وطريقة التعاطي مع تحدياته، بمعنى ننتقل من فكرة التعامل مع عام 2020 من مجرد أنه متسخ ألقى به العالم مع جوارب أخرى أكثر اتساخاً حتى يتخلص منها، إلى التعامل معه على أنه عارض يستلزم التشخيص والتدقيق في التعاطي حتى تمر مرحلة المرض بسلام من دون أعراض أكثر خطورة.
مما لا شك فيه أن عام 2020 شهد عمليات نوعية لتنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية “داعش” وتنظيم “قاعدة الجهاد”، ولم تقتصر هذه الضربات فقط على الرقة والموصل المحررتين من قبضة التنظيم بعد سيطرة دامت قرابة خمس سنوات، ولكن هذه الضربات عمّت أقطاراً أخرى بمشاركة تنظيمات محلية وإقليمية في قارات مختلفة، حتى بات تهديد “داعش” أكثر خطورة بعد سقوط مملكته في 22 آذار (مارس) عام 2019، وهو ما نبهنا له في وقتها، ولم يكن العالم في وضع الاستعداد.
نجح التنظيم الأكثر تطرّفاً في اختراق قارتين جديدتين أولهما أوروبا التي باتت مكلومة على وقع ضرباته أكثر مما كانت عليه من قبل، وكانت الضربات تستهدف فرنسا على وجه التحديد ومع بقية العواصم الأوروبية الأخرى مثل النمسا وألمانيا، وقارة أفريقيا التي أصبح التنظيم أكثر قوة وضرب عمق القارة السمراء وأخذ خطوات عملية في إرساء قواعده في منطقة الساحل والصحراء والقرن الأفريقي وما زال يسعى لابتلاع هذه القاره.
وجع العالم من ضربات الإرهاب في عام 2020 قد يظل في العام الجديد، بخاصة أن العالم ما زال غير موحد في مواجهة تحدياته في العام الجديد، رغم أنه توحد في مواجهة الفيروس اللعين كوفيد-19، وهو ما يؤكد اضطراب العالم في تحديد أولوياته ومشروعه للبقاء، فأصبح بحالته هو أضعف بكثير مما كان عليه على الأقل خلال عقد من الزمان، حيث استفادت قوى الإرهاب العالمية من أخطائها وعالجت ذلك، بينما أصبح العالم أكثر انشغالاً بقضايا أخرى أقل أهمية أو أكثر تفرقاً في مواجهة الإرهاب.
وجه الإرهاب يطل على العالم من الشرفات ويكاد يقع عليها من السماء حتى يستفيق مما هو فيه ويعيد تحديد أولوياته من جديد… لا بد من أن تغيب رائحة الدم والموت في السنة الجديدة، بخاصة أنها أزكمت أنف العالم فما عاد قادراً على التنفس! فضلاً عن الكمامة التي وضعها الفيروس اللعين على الأنف ذاته فأعاقت الأوكسجين من الوصول إلى دماء هذه البشرية.
الفيروس اللعين يحاول أن يضع كمامته على عين البشرية في السنة الجديدة حتى لا يرى، فتصبح هذه البشرية أكثر استسلاماً بعد أن اختبأت أعضاؤه، الفم والأنف مع العين، فأصبح هذا العالم لا يتكلم ولا يرى ولا يتنفس أيضاً، عالم لا يسمع إلا الأنين والبكاء، وبالتالي من المهم أن يتخلص من كمامته، كما لا بد من أن يتخلص من الإرهاب الذي يريد أن يختبئ وراء هذه الكمامة.
عام 2021 أفضل بلا شك، ولكن إذا فهم العالم وقرأ تحدياته قراءة صحيحة وصارح نفسه بها. لا بد من قراءة استشرافيه للسنة الجديدة وتطبيق عملي وسريع لهذه القراءة في هذا العام، ولا بد من إسعاف سريع للبشرية الجريحة من الإصابة بفيروس كوفيد-19 والتي ما زالت دماؤها تسيل من الإرهاب الذي استغل وما زال ظروفها الصحية والاجتماعية والسياسية حتى يلدغها مرة تلو الأخرى.