بقلم: حازم الأمين – الحرة
الشرق اليوم- لعل حزب الله أبرز الخصوم في لبنان للدعوات المعلنة والشفافة للنظام الفدرالي، لا بل هو يتوجس من اللامركزية الإدارية خوفاً من أن تكون خطوة ممهدة للفدرالية! والحزب استعان في خصومته للدعوات الفدرالية بخطاب يساري وبمفوهين من هذا اليسار البائد انطوت خصومتهم للفدرالية على بعد مذهبي، ذاك أن الدعوة إليها صدرت من أوساط مسيحية، وُصفت بـ”التقسيمية والانعزالية”.
هذا على مستوى الخطاب، أما على مستوى الممارسة، فحزب الله يمارس الـ”فدرالية” من دون أن تكون قد أقرت بنظام أو قانون أو اتفاق. للحزب الحصة الأكبر في “الدولة المركزية” لكن له فدراليته المذهبية التي يمارس فيها سلطته الكاملة! فلمناطق الشيعة في لبنان استقلالها الأمني والاجتماعي والمالي. حزب الله انعزل بها عن باقي المناطق اللبنانية، وما كشفته واقعة قرصنة بيانات مؤسسة “القرض الحسن” يدفع إلى الذهول، ذاك أن الحزب ذهب في انعزاله ببيئته عن لبنان إلى ما بعد الفدرالية، خصوصاً أن الأخيرة تترك الوظائف السيادية للحكومة المركزية، أما الحزب فقد سطا على السيادة في الدولة المركزية، وانعزل بأمنه واقتصاده في فدراليته، وثمة مؤشرات إلى سعيه للاستقلال بقطاعات أخرى أيضاً.
هؤلاء فاسدون، إلا أنهم قبل ذلك شركاء حزب الله، وصمودهم في مواقعهم سببه تمسك حزب الله بهم
تعمل مؤسسة القرض الحسن خارج النظام المالي اللبناني. في سجلاتها نحو أربعمئة ألف مودع ومستلف لبناني، وهي إذا تعرضت لعقوبات أميركية، عرّضت بدورها هؤلاء المودعين إلى ما تعرضت له، جرى ذلك من دون أن يكون لمصرف لبنان أو لوزارة المالية رأي في المخاطر التي تشكلها هذه المؤسسة على مودعيها. فهي مؤسسة حزب الله المالية، وهل يصح أن يدلي مصرف لبنان أو لجنة الرقابة على المصارف برأي أو أن يقوم بإجراء بحق أحد مؤسسات حزب الله؟ هذا فعل “حرام” سيُوصف أصحابه بأبشع الأوصاف، وليس أقلها بأنهم عملاء وانعزاليون. فمؤسسة القرض الحسن سبق أن شهدت أزمات بقيت خارج آليات ضبط قانون النقد والتسليف. حجزت على رهونات وأمانات زبائنها من دون أن تكون في منطقة رقابة النظام المالي والمصرفي. هي تعمل بمعزلٍ عن الدورة المالية الرسمية، وبمعزل عن رقابتها. فدرالية مالية مسكوت عنها.
لا يمكن أن تقوم للبنان قائمة في ظل هذا الفصام، وفي ظل وجود دولة أكبر منه تقيم على أرضه! كل الإصلاحات ومشاريع محاربة الفساد وتغيير النخب الحاكمة الفاسدة والفاشلة لا قيمة لها إذا تغاضينا عن هذا الصدع الأصلي الذي يهز الكيان اللبناني. فكيف لاقتصاد أن ينهض في ظل اقتصاد ظل يشتغل بموازاته. لا يكفي أن نقتلع جبران باسيل وأن نطيح بسعد الحريري وأن نستبدل نبيه بري بغيره. هؤلاء فاسدون، إلا أنهم قبل ذلك شركاء حزب الله، وصمودهم في مواقعهم سببه تمسك حزب الله بهم. واللبنانيون بهذا المعنى يخوضون المواجهة بالمقلوب. فالأثر البعيد للحزب في معظم وقائع الفساد أقوى من الأثر القريب لهؤلاء الفاسدين. قد يكون سياسي فاسد أو ضابط مرتشٍ هو من أعطى الأمر لباخرة الأمونيوم الإذن بالرسو والبقاء في مرفأ بيروت لسنوات طويلة، لكن حزب الله هو من ثبت هذا السياسي في موقعه، أو هو من منع الإطاحة به. كلنا يذكر أصبع الأمين العام للحزب عندما شهره في وجه اللبنانيين، حين خرجوا في 17 تشرين بالتظاهرات، محذراً من الاقتراب من “السلطة التي تحتضن المقاومة”.
يتكشف مزيد من الوقائع اليوم لما تعنيه عبارة “السلطة التي تحتضن المقاومة”. هي السلطة التي تغض النظر عن عمل مؤسسة القرض الحسن، مثلما تغض النظر عن السلاح المنفلت في فيدرالية حزب الله. هذه السلطة هي نفسها التي حذرنا السيد حسن نصرالله من الاقتراب منها.
لكن يبقى أن ثمة خلل هائل سيعيق حتماً إمكان استمرار هذه المعادلة، فالسلطة التي يحميها الحزب تتغول على نفسها مثلما تغولت على اللبنانيين، والانهيار القادم والوشيك سيصيب اللبنانيين، لكنه سيصيبها أيضاً. فالحزب يتصرف من دون أن ينتبه إلى أنه في طريقه إلى الهاوية. ممنوع تشكيل حكومة قبل أن تلتقط طهران إشارات من الإدارة الأميركية الجديدة. ممنوع الإطاحة برموز الفساد على رغم احتراق مراكبهم السياسية. ممنوع تغيير حاكم مصرف لبنان، وممنوع الوصول إلى نتائج في تحقيقات تفجير المرفأ!
من الصعب توقع المشهد، لكن من المؤكد أن أحداً لن ينجو وأن الهاوية بانتظار الجميع. الإفلاس مضافاً إليه العقوبات وبينهما الفساد الهائل وواقعة السطو المعلن على مدخرات الناس، كل هذه العناصر ستكون مُركَب المشهد اللبناني الوشيك. فهل يعتقد حزب الله أنه سيكون خارج الهاوية؟