الرئيسية / مقالات رأي / ديكتاتورية كورونا في 2020

ديكتاتورية كورونا في 2020

بقلم: بيشوي رمزي – اليوم السابع

الشرق اليوم – “عام الكمامة”.. عنوان يليق بالعام المنصرم، بحكم هيمنة فيروس “كورونا” على أحداثه منذ بدايته، فكان سببا في انقلابات نوعية في حياة الأفراد والمجتمعات المحلية، مرورا بالدول وحتى النظام الدولي بصورته الكلية، فأصبح 2020 شبيها بـ”ألام” المخاض، المرتبطة بميلاد عالم جديد، تحكمه قواعد جديدة، تقوم في جوهرها على تلك المبادئ التي أرساها الفيروس، سواء عبر التباعد، أو الإغلاق أو تقييد قدر من الحريات العامة والخاصة، وهو ما يتعارض مع ما سبق وأن نادى به دول المعسكر الغربي، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في الأربعينيات من القرن الماضي.


ولعل الملفت للانتباه أن الدعوات لتعميم “قواعد كورونا”، قد بدأت قبل ظهور الفيروس، فالعولمة، وما ترتب عليها من انفتاح غير مسبوق، أضرت بمواطني العديد من دول العالم، وعلى رأسهم مواطني أوروبا والولايات المتحدة، حيث كانت سياسات الحدود المفتوحة، والتجارة الحرة، باهظة الثمن بالنسبة لهم، ففقدوا وظائفهم، وبات أمنهم مهددا في ظل احتمالات تسلل عناصر إرهابية إلى أراضيهم، في الوقت الذي باتت فيه الحريات “غير المحدودة”، في الكثير من الأحيان، مصدرا لتهديد استقرار دولهم، فصارت تثير النزعات العنصرية تارة، بينما تهددهم بموجات الإرهاب الديني تارة أخرى، لتتحول المبادئ الغربية إلى أصنام في حاجة إلى الهدم، في حين أصبح الفيروس هو القنبلة التي هدمت كل شيء.


الفيروس القاتل كان ديكتاتورا، وفرض قواعده على العالم، دون رحمة، فعدم الالتزام بها كان مكلفا، إلى الحد الذي ربما فاق التصورات، سواء على مستوى الأفراد أو الدول، فهل كان يمكن لأحد أن يتصور أن تقف أمريكا، التي طالما تباهت بعلمها، عاجزة أمام فيروس لا يرى بالعين المجردة، ليكلفها مئات الآلاف من الوفيات، بالإضافة إلى ملايين الإصابات؟ هل كنا نتصور يوما أن تقدم الصين مساعدات لأوروبا لمواجهة الفيروس القاتل الذي عجزت معه مستشفياتها عن استيعاب الضحايا؟


عقاب الفيروس لم يقتصر على الدول بصورتها الكلية، وإنما امتد للأفراد، فعندما سخر منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رافضا الالتزام بالكمامة، والتي تبدو بمثابة “الزي الرسمي المعتمد لكورونا”، خسر منصبه، أمام منافسه جو بايدن، على الرغم من أنه كان الأقرب إلى الفوز بولاية ثانية قبل التفشي المفزع في الولايات المتحدة، بينما عاقب كذلك العديد من زعماء العالم، الذين التزموا شكليا بالكمامة دون الالتزام بقواعد التباعد والإغلاق، فأصيب قطاع كبير منهم بالفيروس، مما خلق حالة من الهلع لدى شعوبهم بسبب الخطورة الحقيقية للأزمة.


يبدو أن أمريكا وأوروبا لم يدركا حقيقة مفادها أن التمسك بـ”التابوهات” التقليدية يعني فناءً حقيقيا، بينما أدركت بكين أن كورونا ليس مجرد فيروس، وإنما بداية لمرحلة دولية جديدة، كانت تستعد لها وتنتظرها لسنوات طويلة، حتى يمكنها القفز في نهاية المطاف إلى القمة ومزاحمة الكبار، في نظام دولي متعدد بعيدا عن الأحادية التي هيمنت على العالم منذ نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينات من القرن الماضي.


الواقع أن قواعد كورونا ستصبح بمثابة النظام الدولي الجديد، فالعودة إلى الالتزام بالحدود الوطنية (الانغلاق) سيكون أساسا مهما لحماية المواطنين أمنيا واقتصاديا، بينما سيصبح البعد “المصلحي” الضيق حاكما للتقارب بين دول العالم، ليكون التباعد هو السمة الحاكمة للعلاقات الدولية، في حين تحمل “الكمامة” بعدا رمزيا، لتحمي الأوطان من فيروسات الإرهاب والبطالة والأزمات، التي صدرتها ظواهر الهجرة واللجوء، والتى ترتبت على حالة عدم الاستقرار في العديد من دول العالم.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …