بقلم: منار الشوربجي – المصري اليوم
الشرق اليوم – متابعة مايكل فلين، أول من تولى منصب مستشار الأمن القومي في عهد ترامب، تكشف عن دلالات مهمة بالنسبة للسياسة الخارجية. فمايكل فلين، الذي كان أول من أيد ترامب في حملته الانتخابية عام 2016، عيّنه ترامب مستشارا للأمن القومي بمجرد فوزه بمنصب الرئاسة. لكن الرجل لم يبق في ذلك المنصب سوى ثلاثة أسابيع، أقيل بعدها عندما اتهم بتقديم إفادة كاذبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي بخصوص لقاء بالسفير الروسي لدى واشنطن. وقد اعترف مايكل فلين بكذبه وتمت إدانته بالفعل، إلى أن تم العفو عنه في قرار أصدره ترامب بعد أيام من هزيمته الشهر الماضي.
لكن ذلك كله ليس هو الموضوع. فمايكل فلين، اليوم، من أهم الداعمين لمزاعم ترامب بأن الانتخابات الرئاسية قد زُوّرت لصالح بايدن. وهي المزاعم التي قال مسؤولون جمهوريون بمن في ذلك وزير العدل في إدارة ترامب إنه لا دليل عليها. غير أن فلين وصل بتلك المزاعم لمدى بالغ الخطورة حين دعا ترامب علنًا لاستدعاء “القدرات العسكرية لإعادة الانتخابات” في عدة ولايات، بحجة أن “الأحكام العرفية قد أعلنت في تاريخ أمريكا 64 مرة”. ومثل تلك الدعوة التي أطلقها فلين، قد تضع صاحبها، في الظروف العادية، تحت طائلة القانون الأمريكي.
والمدى الذي ذهب إليه فلين في دعمه القوي لترامب منذ انتخابات 2016 وحتى اليوم معناه أن الرجل يؤمن بأفكار ترامب نفسها أو على الأقل الأسس التي تقوم عليها تلك الأفكار. وأفكار ترامب مستمدة من فكر تيار القومية البيضاء الذي هو آخر تنويعات تيار تفوق البيض الذي يؤمن بدونية كل الأعراق والإثنيات الأخرى. ومن هنا، تكمن دلالات متابعة مواقف مايكل فلين وخطورتها. فالرجل ليس شخصا عاديا. فهو تقلد مناصب رفيعة في المؤسسة العسكرية الأمريكية، وعُهدت إليه مهام عسكرية صعبة، وخدم مع رؤساء جمهوريين وديمقراطيين على السواء. فقد لعب مايكل فلين أدوارًا محورية في غزو بلاده لكل من أفغانستان والعراق بعد 11 سبتمبر وكان مديرا لهيئة الاستخبارات العسكرية في عهد أوباما إلى أن أقيل من منصبه.
الذى يستحق التأمل إذن، أن تبنى أفكار منحازة ضد الأقليات أو حتى عنصرية يضرب بجذوره في عمق المؤسسات السياسية الأمريكية ولا يستثنى من ذلك من يشغلون المناصب الحساسة. فمن المستحيل أن يكون فلين قد تبنى تلك المواقف بشكل مفاجئ بعد أن تقاعد من مناصبه. المفارقة هي أن المؤسسة العسكرية الأمريكية كانت أولى المؤسسات التي قامت بإلغاء الفصل العنصري في الولايات المتحدة في الأربعينيات. ووجود من يؤمنون بأفكار عنصرية داخل المؤسسات ليس جديدًا ولا هو يقتصر على فترة حكم ترامب. فمن يستمع لتسجيلات نيكسون التي كان قد أمر بها بنفسه يستمع لأفكار فجة في عنصريتها من رئيس أمريكا في السبعينيات الذي طالما وصف بأنه كان “متوازنًا” في سياسته الخارجية. والخطاب السياسي لرونالد ريجان كان ينضح هو الآخر بلمحات مناهضة للأقليات. وبوش الأب، الذي وصف هو الآخر “بالحكمة” في إدارة سياسة بلاده الخارجية، انطوت حملتيه للرئاسة على لمحات عنصرية لا تخطئها العين.
السؤال الذي يشغلني دائما هو: لماذا يعجز الكثيرون عن الربط بين تلك المواقف الفجة وبين تداعياتها المؤكدة على صنع السياسة الخارجية الأمريكية؟ فهل يتصور أحد أن من يؤمن فتفوق البيض ودونية الأعراق والإثنيات الأخرى يمكنه أن يحترم أو حتى يراعي حقوق البشر من غير البيض، ناهيك عن مصالح الشعوب “غير البيضاء”؟