بقلم: د. عبد العزيز حمد العويشق – الشرق الأوسط
الشرق اليوم– لا تُخفي الولايات المتحدة معارضتها لمبادرات روسيا بشأن أمن الخليج، ولكن تلك المعارضة قد تزداد خلال فترة رئاسة جو بايدن. فبعد أربع سنوات من التوافق الشخصي بين الرئيسين بوتين وترمب، أصبح من المتوقع أن يقوم بايدن بإعادة النظر في تلك العلاقة التي كانت تُقلق المؤسسات الأميركية. ولا شك أن الإعلان في واشنطن الأسبوع الماضي عن اكتشاف عمليات اختراق سيبرانية واسعة النطاق، تعتقد أميركا أن روسيا وراءها، سيدفع بمراجعة أسرع للعلاقات الأميركية- الروسية.
ومن المتوقع أيضاً أن يكون التنافس الدولي حول أمن الخليج أحد أهم القضايا المطروحة أمام بايدن الذي قد يكتشف أن وسائل السياسة الخارجية لإدارة أوباما التي كان بايدن أحد أقطابها، لم تعد كافية في ظل تنافس أكبر بين الدول الكبرى؛ خصوصاً روسيا والصين.
وعلى الرغم من العلاقات الودية بين بوتين وترمب، فإن ثمة خلافاً جوهرياً بين أميركا وروسيا حول أمن الخليج، بصرف النظر عن الرئيس الذي يشغل البيت الأبيض، كما ظهر واضحاً في نقاشات مجلس الأمن في شهر أكتوبر (تشرين الأول) حين رفضت سفيرة ترمب لدى الأمم المتحدة المقترح الروسي لأمن الخليج جملة وتفصيلاً. وهذا الخلاف سيتعمق إذا احتدمت الحرب الباردة بينهما في عهد بايدن.
موسكو تسعى منذ وقت طويل للعب دور أكبر في الخليج، وطَرَحت لهذا الغرض مبادرات كانت سرية في الماضي، إلا أن موسكو قررت الكشف عن آخر صيغة لها في صيف 2019، وقالت حينها إن الهدف بعيد المدى هو تأسيس منظمة للأمن والتعاون في الخليج، تتولى الإشراف على أمن المنطقة، وتشترك في عضويتها كافة دول الخليج مع روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، بالإضافة إلى «أعضاء آخرين من ذوي العلاقات بصفة مشاركين أو مراقبين».، وتلتزم دول المنطقة بالإفصاح وتبادل كافة المعلومات عن طريق هذه المنظمة، بما في ذلك المعلومات العسكرية والأمنية.
وفي أكتوبر 2020، عرض وزير الخارجية سيرغي لافروف صيغة مختصرة من المقترح أمام مجلس الأمن، مؤكداً أن مقترح روسيا ينبع من «مُسلَّمة هي أن الحفاظ على السلام في منطقة الخليج هدف مهم للمجتمع الدولي بأسره، وأن الوضع غير الصحي هناك يزعزع استقرار العلاقات الدولية».
وفي إشارة غير مباشرة إلى مقتل قاسم سليماني في شهر يناير (كانون الثاني)، قال لافروف إن تلك الحادثة «كان من الممكن أن تطلق حرباً واسعة النطاق في الخليج»، مؤكداً أهمية العمل الجماعي (أي المقترح الروسي) لتخفيف التوتر.
وقد أثار اختيار لافروف لهذا المثال بعض الاستغراب، وأظهر نقطة ضعف في المقترح الروسي، إذ إن هجوم إيران الواسع على منشآت النفط في المملكة العربية السعودية العام الماضي كان الحدث الأكبر في الفترة الماضية. ثم مزيد من الاستغراب حينما أضاف لافروف بامتعاض أن «ابتزاز وشيطنة طرف واحد فقط، وكيل التهم إليه أمر خاطئ وخطير»، في إشارة واضحة إلى سياسة الضغط الأميركية على إيران، دون أن يتحدث بالمقابل عن تصرفات إيران التي تزعزع استقرار المنطقة.
وقال لافروف إن الاتفاق النووي مع إيران نجح في «تفادي تهديدات الصراع المسلح». مع أن ثمة أدلة على العكس، إذ أطلقت إيران، بعد الاتفاق، العنان لـ«الحرس الثوري» في المنطقة من العراق وسوريا إلى لبنان واليمن، باعتبار ذلك مكافأة للمتشددين في إيران على قبولهم بالاتفاق.
وأشار لافروف إلى مقترح الرئيس بوتين عقد اجتماع لقادة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا وإيران، وذلك لـ«وضع تدابير للحيلولة دون التصعيد، وتأسيس نظام يمكن الاعتماد عليه للأمن الجماعي في الخليج». ويلاحظ هنا عدم دعوة دول الخليج العربية إلى هذا الاجتماع التأسيسي المقترح، ولكن لافروف قال إنه في مرحلة لاحقة يمكن مشاركة كافة الدول المطلة على الخليج، بالإضافة إلى الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وغيرها، لوضع «الخطوات العملية لتنفيذ تلك الأفكار». وبعبارة أخرى، فإن مجلس التعاون ودول المجلس، ستتم دعوتهم فقط في مرحلة التنفيذ للأفكار التي اتفق عليها المشاركون في المرحلة الأولى.
وقد طرحت تساؤلات كثيرة عن المقترح الروسي لأمن الخليج. فأولاً، ليس من المقبول استبعاد مجلس التعاون ودوله، وهم المعنيون أساساً بأمن الخليج، من المشاركة في تأسيس أي نظام لأمن الخليج، ثم يتوقع منهم أن يُلزموا بتنفيذه.
ثانياً، مما يثير التساؤل أن المقترح الروسي في صيغته الجديدة شبيه بمقترح لحسن روحاني في عام 2007، حينما كان أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، طرح فيه فكرة تأسيس منظمة للأمن والتعاون في الخليج. وقد يكون هذا التشابه مؤشراً على التنسيق بين الجانبين حول المقترح، وبالطبع فإن من مصلحة إيران وجود مثل هذه المنظمة لمساعدتها على الخروج من وضعها كمنبوذة في المجتمع الدولي.
ثالثاً، إن النظام الأمني المقترح يتطلب قدراً كبيراً من تبادل المعلومات الحساسة، متجاهلاً عدم الثقة القائمة حالياً بين الأطراف المختلفة، سواء بين ضفتي الخليج، أو بين الدول الكبرى؛ خصوصاً الولايات المتحدة وروسيا والصين.
وأمام هذه التساؤلات، وغيرها كثير، أدركت موسكو أن رحلة تشكيل منظومة أمنية جماعية للخليج «لن تكون قصيرة ولا سهلة»، حسبما أحاط لافروف مجلس الأمن في أكتوبر الماضي، ولذا فإن «دول المنطقة يجب أن تقوم بهذه الرحلة بنفسها، أما وظيفة الأطراف الخارجية فهي مساعدتهم بتوفير الظروف المناسبة» حسب قوله.
ثم أضاف لافروف نقطتين على قدر كبير من الأهمية: الأولى أن إجراءات بناء الثقة يجب أن تكون نقطة البداية لتحسين الأوضاع في الخليج، والثانية أن تلك الإجراءات يجب أن تكون «قائمة على احترام السيادة والاستقلال ووحدة التراب الوطني، والالتزام الكامل بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة».
وهذه النقاط تتوافق مع أطروحات مجلس التعاون، ومع ما أبلغ إيران به مباشرة، بأن الالتزام بهذه المبادئ، قولاً وفعلاً، ضروري لبناء الثقة وتمهيد الطريق أمام خطوات أكبر للتعاون. فالالتزام بها يعني تخلي إيران عن استخدام القوة للتدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها، والتوقف عن تمويل وتدريب وتسليح الجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي تزرع العنف والدمار في المنطقة. ويعني كذلك وقف الاعتداءات على المملكة العربية السعودية بالصواريخ والطائرات المفخخة، وعلى ناقلات النفط والملاحة في الخليج العربي والبحر الأحمر.
وعندما تنجح روسيا في إقناع إيران بالالتزام بميثاق الأمم المتحدة، والحد من أنشطتها التي تزعزع الأمن والسلام في المنطقة، واستعادة ثقة جيرانها، فقد يصبح مقترح وضع إطار جديد للأمن الجماعي في الخليج أكثر مصداقية وقبولاً.