الشرق اليوم- عقد قادة بنغلادش والهند قمة افتراضية في 17 ديسمبر في حين تستعد بنغلادش للاحتفال بالذكرى الخمسين لاستقلالها في 16 ديسمبر من السنة المقبلة، وتكلم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال القمة وشدّد على الأهمية الرمزية لتلك الذكرى المرتقبة، فقال: “نحن نفتخر بالاحتفال معكم بانتصار بنغلادش التاريخي على القوات المناهضة للتحرير”، ثم أضاف قائلاً: “بينما تحتفل بنغلادش اليوم بالذكرى التاسعة والأربعين لاستقلالها، أريد تكريم الشهداء الذين ضحوا بحياتهم في البلدَين معاً”، ومن المتوقع أن تشهد السنة التي تسبق الذكرى الخمسين لتحرر بنغلادش من باكستان محاولات مكثفة لتحقيق أهداف مودي الخارجية والداخلية بثلاث طرق مختلفة:
أولاً، قد يتمكن البلدان من إعادة تقوية روابطهما عبر الإشارة إلى أحداث تاريخية بارزة وتَذكّر الروابط الماضية في ظل استمرار بعض العوائق في هذه العلاقة، كذلك، شهدت الحدود بين بنغلادش والهند في الماضي القريب تبادل إطلاق النار بين قوى الأمن من الجهتَين. سعت بنغلادش في السنوات الأخيرة إلى تعزيز علاقتها مع الصين لأسباب اقتصادية، كما أنها طوّرت علاقاتها العسكرية مع بكين، وفي الوقت نفسه، توحي السياسات المحلية مع الهند بأن النزاع على مياه نهر “تيستا” لا يزال عالقاً بين البلدَين رغم التقدم الملحوظ خلال ولاية مودي الأولى، ويبقى الاتفاق على تقاسم مياه هذا النهر مع الهند جزءاً من أهم أهداف العاصمة دكا، لكن قد يتراجع التركيز على هذه المواضيع كلها على الأرجح نظراً إلى الخطابات المنمّقة التي يتبادلها الطرفان الآن، ففي الحد الأدنى سيكون احتفال الهند بــ”عام النصر الذهبي” مؤشراً دائماً لسكان بنغلادش حول الدور المحوري الذي تؤديه نيودلهي للحفاظ على استقلال البلد.
ثانياً، أدى كلام أميت شاه الذي أصبح الآن وزير الداخلية الهندي عن الهجرة غير الشرعية من بنغلادش قبيل الانتخابات العامة الهندية في السنة الماضية إلى اضطراب حكومة الشيخة حسينة في بنغلادش، فخلال تجمّع انتخابي في شهر أبريل من العام المنصرم، وصف شاه المهاجرين غير الشرعيين بعبارة “النمل الأبيض” واتّهم رئيسة وزراء ولاية البنغال الغربية ماماتا بانيرجي باسترضاء المسلمين في ولايتها لتحقيق غايات سياسية شخصية. كذلك، يبدو أن مشاعر الذعر بدأت تنتشر في بنغلادش بعد قرار الهند المثير للجدل بتعديل قانون المواطنة المحلي في ديسمبر 2019، علماً أنه يتعامل بعنصرية مع المهاجرين المسلمين القادمين من الدول المجاورة والساعين إلى نيل الجنسية الهندية بما يشبه ممارسات الاضطهاد الديني.
ستشهد ولاية البنغال الغربية استحقاقاً انتخابياً في السنة المقبلة، ومن المتوقع أن يكون محط أنظار الجميع كونه يعكس مدى سيطرة بانيرجي على الولاية ويقيّم قدرة “حزب بهاراتيا جاناتا” على اختراق تلك المنطقة، وإذا استعمل الحزب خطاباً معادياً للمهاجرين والمسلمين خلال الحملة الانتخابية فقد يسهم الودّ المستجد بين البلدين بمناسبة “عام النصر الذهبي” في تخفيف آثار تلك المواقف على الطرف الآخر من الحدود في بنغلادش، ونظراً إلى العلاقات الوثيقة بين البنغال الغربية وبنغلادش، فقد يضمن تأييد “حزب بهاراتيا جاناتا” القوي لـ”عام النصر الذهبي” كسب الدعم من البنغاليين الهندوس.
ثالثاً وأخيراً، يُعتبر النصر الهندي في حرب 1971 أكبر إنجاز عسكري حققه البلد حتى الآن، فقد نجحت الهند في إنشاء دولة مستقلة، وهو تفوّق استراتيجي بارز على باكستان ولا تنحصر أهميته في الأوساط الهندوسية القومية، وبفضل الاحتفالات الممتدة على مر السنة، قد يتمكن مودي وأعضاء حزبه من توجيه رسائله النارية إلى باكستان وترسيخ صورته كزعيم قادر على حماية الأمن القومي. تُمهّد هذه الإنجازات لتوسيع قاعدته الشعبية، فعلى الساحة الدولية ستحصل الهند هذه السنة على فرص إضافية لتسليط الضوء على الأحداث التاريخية التي ارتكبت فيها باكستان جرائم تنتهك حقوق الإنسان، أبرزها سلوك الجيش الباكستاني في شرق باكستان في عام 1971.