الشرق اليوم – يبدو أن التاريخ الجيوسياسي لهذه السنة المضطربة سيتوقف على قرارات الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، وقادة آخرين في المرحلة المقبلة.
كان عام 2020 مريعاً على جميع الصعد، فنشر مظاهر الموت والاضطرابات في مجتمعات العالم أجمع، لكن رغم صعوبة هذا العام على أرض الواقع، كيف يمكن أن يقيّمه المؤرخون بعد نصف قرن من الآن؟
من جهة، قد يعتبر المؤرخون عام 2020، بداية عصر مظلم جديد، فخلال بضعة أشهر، تعرّض العالم لصدمات استراتيجية لا تحصل في العادة إلا مرة في كل قرن، قتل وباء عالمي ملايين الناس وشلّ المجتمعات في مختلف القارات، كذلك، شهد العالم تراجعاً حاداً في مظاهر العولمة، فأُغلقت الحدود وتوقفت رحلات السفر بين الدول، وفي الوقت نفسه عجزت الهيئات الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية ومجموعة الدول الصناعية السبع، عن إثبات كفاءتها التكنوقراطية وتعاونها الدولي.
على المستوى الجيوسياسي أطلقت الصين، الدولة الاستبدادية الرائدة عالمياً، هجوماً متعدد الجبهات وأثبتت بذلك أنها لم تعد مستعدة لإخفاء قدراتها وانتظار الفرص المناسبة بما يتماشى مع عقيدة دنغ شياو بينغ السابقة، وفي المقابل شهدت الولايات المتحدة، أهم دولة ديمقراطية في العالم، اضطرابات محلية كبرى وحاول رئيسها نقل بلده إلى نسخة مخففة من الحُكم الاستبدادي بعد انتخابات مثيرة للجدل، كذلك، انهار النظام العالمي بدرجة معينة.
لكن لم تكن صدمات عام 2020، عبارة عن أحداث مفاجئة وغير متوقعة، فقد كشفت هذه الأزمات عن حجم الفساد المستفحل داخل المؤسسات والترتيبات التي يقوم عليها النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة، لهذا السبب، قد تُعتبر هذه السنة اللحظة المفصلية التي اتخذ فيها نظام مضطرب أصلاً منحىً فوضوياً وغير ليبرالي.
من جهة أخرى، قد يحمل تاريخ عام 2020، جانباً واعداً عند تقييمه مستقبلاً. لقد اتّسم النظام الذي نشأ بعد حقبة الحرب في الماضي بقوة تحمّله، مما يعني أن التحديات المتلاحقة أنتجت ابتكارات بنّاءة في معظم الأحيان.
قد يكون عام 2020، لحظة تمهيدية إذاً لولادة جديدة، فخلال هذه السنة، صحّح النظام السياسي الأميركي نفسه بعد تقرّبه الخطير من النزعة الشعبوية اليمينية التي تحمل طابعاً شبه استبدادي تزامناً مع رفض أي شكل مضطرب من الشعبوية في معسكر اليسار. في غضون ذلك، بذل حلفاء الولايات المتحدة جهوداً حثيثة للبدء بإصلاح المنظمات الدولية التي توشك على الانهيار وابتكار آليات جديدة، مثل توسيع مجموعة الدول الصناعية السبع، بهدف تعميق التعاون الديمقراطي.
لا يمكن توقّع مسار العالم المرتقب منذ الآن، فغالباً ما يكون التاريخ مشروطاً: كان تغيّر وجهة 45 ألف صوت انتخابي في أربع ولايات أميركية ليضمن إعادة انتخاب دونالد ترامب، مما يضع الديمقراطية الأميركية والسياسة الخارجية على مسار يختلف بالكامل عن الوجهة التي سيتخذها الرئيس المُنتخب جو بايدن في المراحل المقبلة، وستكون القيادة عاملاً محورياً: تتوقف وجهة المستقبل على نوعية خيارات صانعي السياسة وقوة خطاباتهم في الولايات المتحدة ودول أخرى.
أخيراً، تكثر الأمثلة التاريخية عن بزوغ فجر مزيّف أو حصول انهيار مزيّف، ففي أواخر فترة العشرينيات مثلاً، بدا وكأن أوروبا نجحت أخيراً في التهرب من حقبة الصراعات الوحشية قبل أن يأتي الكساد العظيم ويغرقها مجدداً في دوامة مشابهة.
في مطلق الأحوال، يبدو أن 2020 سيُعتبر في المستقبل لحظة تاريخية مفصلية: إنه العام الذي زعزع توازن النظام القائم ومن المتوقع أن يغيّر مسار العالم على المدى الطويل. بعبارة أخرى، يستطيع هذا النوع من الأزمات الحادة أن يدفع النظام الدولي نحو الدمار أو التجدّد، لكن لا مفر من أن يترك أثراً دائماً في تاريخ العالم.
ترجمة: الجريدة