بقلم: عمر علي البدوي – العرب اللندنية
الشرق اليوم- هل أضحت المصالحة الخليجية وإنهاء أزمة قطر في حكم المتوقع؟ بعد أن تزايدت احتمالاتها وارتفعت مؤشراتها، وقد جاءت التصريحات المتبادلة بين الأطراف بمثابة التأكيد عليها قاطعة الطريق على بعض التكهنات التي كانت تتردد أن المصالحة ثنائية أو محدودة أو غير قطعية بين قطر والرباعي العربي.
ورغم الأجواء الإيجابية، لا تزال الدوحة تلعب دوراً خطيراً لإنجاح المهمة، وتمارس آلتها الإعلامية سلوكاً غريباً ومريباً قد يعقّد من الحلول المتوخاة لإعادة ترسيم العلاقات. وسواء كان ذلك لإظهار أن قطر غير متحمسة للمصالحة وأنها بغنى عن المضي فيها، أو استمراراً في سياستها لشق صف الرباعي العربي، فإن هذه الأدوات فقدت تأثيرها وفاعليتها، لاسيما وأنها لم تجد أو تمنع قطر من المطالبة والإلحاح لإنهاء المقاطعة من وراء الكواليس، واستجداء الحلفاء والأصدقاء للتوسط في خروجها من المأزق.
مثّلت الرياض بقية الرباعي العربي في المحادثات مع قطر، رغم ما تسعى الأخيرة لتصويره بأنه حديث وبحث في مصالحة ثنائية، على عادة الدوحة في سعيها لتفتيت تماسك الموقف الجماعي وتحقيق اختراق في الرباعي، لم يحقق نتيجة خلال السنوات الثلاث الماضية، لتعود الآن وتلعبه في الأشواط الأخيرة من الأزمة.
وحدة البيت الخليجي وتماسكه أمام المخاطر المستجدة، هما كلمة السرّ في موافقة الرياض على المضي في هذا الطريق. بثت وكالة الأنباء السعودية، الأسبوع الفائت، تقريراً حمل إشارات إلى قرب التوصل لاتفاق بشأن إنهاء الخلاف مع قطر، جاء بعنوان “تاريخياً.. المملكة داعم لوحدة الصف الخليجي”، جدد التقرير وأكّد حرص الرياض والتزامها بواجبها من منطلق رابط الأخوة والدين والمصير المشترك، على مدى 41 عاماً من عمر المنظومة مستندة إلى ما تشكله من عمق استراتيجي وثقل عربي وإسلامي ودولي.
وقد وجدت من شركائها في هذا الموقف الدعم والتشجيع، وفي ذلك كتب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش أن “إدارة المملكة العربية السعودية الشقيقة لهذا الملف موضع ثقة وتفاؤل، ومن الرياض عاصمة القرار الخليجي نخطو بمشيئة الله خطوات تعزيز الحوار الخليجي تجاه المستقبل”.
تترقب الأوساط السياسية انعقاد القمة الخليجية المقررة يوم 5 يناير في الرياض، بحضور قادة دول المجلس، وستكون أول سطر في مرحلة الحل وفتح أبواب الحوار الصريح والمكاشفة الجادة على أساس المبادئ الستة التي تم الاتفاق عليها في اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع في القاهرة في 5 يوليو 2017.
على أن يكون الطريق طويلاً وربما شائكاً وزاخراً بالتفاصيل التي ترجو الأطراف تجاوزها، رغم كل العراقيل التي بدأت الدوحة في وضعها لتفخيخ المسار وإعاقة تقدمه.
وسبق أن أعلن وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح أن “هناك مفاوضات جرت، وأثمرت عن اتفاق نهائي، وبالتالي سيتبع هذا الاتفاق خطوات عملية لتجسيده على أرض الواقع”، مؤكداً أن القمة “ستبارك هذا الاتفاق، وتدعو إلى تواصل جهود الدول لتثبيته وتنفيذه على أرض الواقع”.
يبحث الرباعي العربي عن التزامات حقيقية تنهي مراوغات الدوحة ودأبها على الالتفاف وإعادة الأمور إلى نقطة الصفر، وقد لعبت واشنطن دوراً ما في إنجاز الخطوة بالشراكة مع دولة الكويت، ربما لرفع درجة الضمانة المعتبرة في التحقق من قيمة وجدوى الالتزام بما يجري الاتفاق بشأنه ومنع القفز عليه كما حدث في الأزمة السابقة العام 2014.
الظروف غير العادية التي تعصف بالمنطقة، والأساطيل البحرية والتدريبات العسكرية والصواريخ التي تجوب سماء اليمن والعراق وسوريا، ونُذُر مواجهة طاحنة مع إيران، كل ذلك يبدو أحد مفاتيح المصالحة المرتقبة.
وقال نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجارالله، إن القمة ستشكل فرصة لتدارس الأوضاع في المنطقة، خاصة “أننا نعيش أوضاعاً سياسية الكل يدرك صعوبتها وحساسيتها”.
منذ إعلان المقاطعة ومواجهة قطر بحقيقة وثمن سلوكها السلبي في المنطقة، الذي كان يتجاوز اجتراح سياسة فريدة إلى حالة من العبث وإيذاء جيرانها وتعمد توريط المنطقة في مسارات مجهولة، انخفضت وتيرة الدور القطري السلبي في عدد من الملفات، ربما يعود الفضل في ذلك إلى انشغال الدوحة بمواجهة مصير أزمتها وشروط تماسكها، حتى أن قطر عرضت في لحظة ما من المحادثات عام 2019 التخلي الكامل عن دعم جماعة الإخوان المسلمين.
كما انخفضت انبعاثات الطرح القطري المخادع، وتقلصت جهود اختراق المجتمعات المحلية للدول الخليجية، بعد أن كانت الدعاية الممولة قطرياً تثخن فيها بالأفكار الانشقاقية والأيديولوجية.
لا ضمان يمنع من حدوث انتكاسة في مسار إنهاء الأزمة، في ظل الحيرة التي تواجهها الدوحة، بعد أن قدمت تركيا بياناً مسموماً على هامش الأنباء المتصاعدة بشأن المصالحة الخليجية، وفي ظل ارتباط كامل مع أنقرة، تبدو قطر معنية بتحقيق مقاربة لابد أن تجرّ على نفسها غضب جيرانها بشكل أو بآخر، ومثلها فعلت طهران بإبداء المسؤولين فيها تشجيعهم لحل الأزمة، رغم تحذيرهم المستمر للدوحة من استخدام أراضيها منصة للهجوم على إيران واستهدافها، وهذا نموذج لما وقعت فيه قطر من تعقيد الحسابات واشتباك الرهانات الخاسرة.