بقلم : محمد أمين الميداني – الجريدة
الشرق اليوم- ستحكم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، من الآن فصاعدا، اتفاقية تبادل حر جديدة وتعاون في مجال الدفاع والأمن، وتبادل المعلومات، وسيترتب على خروج المملكة من الاتحاد عدة نتائج من بينها: عودة الحدود بين المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
نجح الاتحاد الأوروبي، بالاتفاق مع المملكة المتحدة على العلاقات الجديدة التي ستربطهما سوية، اعتبارا من 31/ 12/ 2020، تاريخ خروج هذه الدولة الأوروبية من الاتحاد الأوروبي.
نذكّر بأنه تم قبول المملكة المتحدة في السوق الأوروبية المشتركة عام 1973، ولعلنا نشير هنا إلى أن فرنسا، وطوال حكم الجنرال ديغول (1958-1969)، كانت تعارض انضمام هذه المملكة إلى هذه السوق الأوروبية، والتزمت لاحقا المملكة بالاتفاقيات التي تم اعتمادها وتطبيقها: اتفاقية ماسترخت (مدينة في دولة الأراضي المنخفضة “الاسم الرسمي حاليا لهولندا سابقا”) عام 1993، واتفاقية أمستردام 1999، واتفاقية نيس 2003، واتفاقية لشبونة 2009، ومن المفيد أن نشير إلى أن ميثاق الحقوق الأساسية الذي تم الإعلان عنه عام 2000، وقامت مؤسسات الاتحاد الأوروبي باعتماده نهائيا في 12/ 12/ 2007، أصبح يتمتع بالقوة الإلزامية في دول الاتحاد بعد أن دخلت اتفاقية لشبونة حيز النفاذ عام 2009.
قررت المملكة المتحدة، ونتيجة استفتاء جرى في 23/ 6/ 2016، الخروج من هذا الاتحاد، بعملية أصبح تُعرف باسم (بريكست)، لتبدأ عندها سلسلة من المفاوضات والمشاورات بينها وبين الاتحاد الأوروبي لتنظيم عملية الخروج.
وتم التوصل أخيرا، وبتاريخ 24/ 12/ 2020، وبعد العديد من المحاولات وكثير من الجهود وعقد الاجتماعات واللقاءات على مختلف المستويات وعلى مدار أربع سنوات، من الاتفاق على صيغة الخروج من الاتحاد الأوروبي وآلياته والتي جاءت حسب ما تناقلته وسائل الإعلام في 1500 صفحة.
ستحكم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، من الآن فصاعدا، اتفاقية تبادل حر جديدة وتعاون في مجال الدفاع والأمن، وتبادل المعلومات، وسيترتب على خروج المملكة من الاتحاد عدة نتائج من بينها: عودة الحدود بين المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مما سيؤثر على تنقل البضائع والأشخاص بينها وبين هذه الدول، ولو أن المملكة لم تكن من بين عداد الدول الموقعة على اتفاقية (شينغين) الخاصة بالحدود، كما ستفرض ضرائب لتبادل الأموال والممتلكات بينهما تبعا للقواعد التي قررتها منظمة التجارة العالمية.
ومن أهم الأمور التي عرقلت، وحتى الأيام الأخيرة، إيجاد اتفاق بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي موضوع الصيد، بمعنى آخر: هل يحق للصيادين الأوروبيين، وبخاصة من فرنسا والأراضي المنخفضة، الصيد في المياه الإقليمية للمملكة، وكيف يمكن لهذه الأخيرة التأكيد على سيادتها على هذه المياه وحمايتها بعد خروجها من الاتحاد؟ ولكن، وعلى الرغم من أهمية موضوع الصيد الذي تم إيجاد صيغة تفاهم بخصوصه، تبقى أسئلة مطروحة لم تحسم بشكل نهائي بعد، تتعلق مثلا: بحماية البيئة، وبالحقوق المتعلقة بالعمل، وبالضرائب، بالإضافة إلى مجالات حيوية أخرى ستتأثر بالتأكيد بهذه الاتفاق ومن بينها تعليق البرنامج الأوروبي للتبادل الجامعي الذي استفاد منه عدة آلاف من الطلبة الأوروبيين، واحتضنته جامعات أوروبية عريقة.
ولعل من الأمور غير المعلنة رسميا الحيرة التي سيقع فيها حملة جوازات سفر المملكة المتحدة، بخصوص إقامتهم في دول الاتحاد الأوروبي والعمل فيها بعد خروج بلدهم من هذا الاتحاد، فعدد منهم وفي فرنسا مثلا، وحسب العديد من المصادر الصحافية، يفكر بطلب الجنسية الفرنسية، ويزمع عدد آخر العودة إلى المملكة للإقامة والعمل.
يمثل الاتفاق الذي تم في 24/ 12/ 2020 خطوة أولى ومهمة في عملية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ولكن ستتبعها خطوات أخرى لا تقل أهمية تتمثل بداية بضرورة موافقة حكومات دول الاتحاد على هذا الاتفاق، ثم تأتي بعدها مصادقة الهيئات التشريعية على هذا الاتفاق، حيث سيعقد البرلمان البريطاني اجتماعا للمصادقة عليه، كما سيعقد بدوره البرلمان الأوروبي اجتماعا لهذا الغرض، ومن المفروض أن يكون هناك فترة انتقالية لتطبيق الاتفاق، مدتها 11 شهراً اعتبارا من 31/ 12/ 2020، ويمكن تجديدها حتى نهاية 2021 باتفاقين الطرفين، لضمان حسن تطبيق بنود الاتفاق، وإعطاء مهلة كافية لهما للانتقال للمرحلة الجديدة التي ستحكم مختلف العلاقات القادمة بينهما.
طرحت عملية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي عدة أسئلة، ويبقى السؤال المهم: كيف سيتطور الاتحاد الأوروبي ومؤسساته مستقبلا؟ هل سيتم اعتماد إجراءات عملية تطبق في حال رغبة دول أخرى بالانسحاب من الاتحاد؟ هل سيفرض على سبيل المثال على الدولة المرشحة للانضمام للاتحاد مستقبلا أن تتعهد باحترام مجموعة من الالتزامات سلفا في حال أرادت أن تنسحب من الاتحاد؟
نعتقد أن الاتحاد الأوروبي سيمر بمراحل جديدة اعتبارا من بداية عام 2021: من ناحية تجربة انسحاب دولة منه ونقصد المملكة المتحدة والنتائج المترتبة على هذا الانسحاب والصعوبات التي لم ينجح بتجاوزها إلا في الأيام الأخيرة مما يشير إلى أنه لم يكن مستعدا لخروج دوله منه! ونشير من ناحية ثانية، إلى الانتقادات التي وجهت للاتحاد بخصوص معالجته لوباء كوفيد19، وما أفرزه من آثار أصابت بدرجات متعددة، وأشكال متفاوتة دوله، ولم يكن الاتحاد على مستوى مؤسساته موفقا برأينا، بمعالجة نتائج الوباء، واعتماد سياسة موحدة تجاهها مما نتج عنه معاناة دول أعضاء فيه أكثر من غيرها من الأعضاء من هذه النتائج، ولو أننا نسجل هنا بأن المجلس الأوروبي، كهيئة رئيسة من هيئات الاتحاد الأوروبي، أجاز في خطوة مهمة، وفي 21/ 12/ 2020، استخدام لقاح يتعلق بهذا الوباء، مما يسمح لدوله ببدء عمليات التلقيح الذي يتطلع إليه الكثيرين في دول الاتحاد.
يبقى الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم العديد من الصعوبات والتحديات التي يواجهها، منظمة إقليمية متميزة بمختلف اتفاقياتها وتنوع مجالات تطبيقها، وبمؤسساته الناشطة المستقلة، وأهدافه التي هي لصالح دوله ومواطنيها والمقيمين فيها، مما يمثل تجربة اتحادية تستحق أن يحذو حذوها كل البلدان التي تسعى لتوحيد جهودها، والعمل سوية لخير شعوبها ومستقبلها.