بقلم: حمزة عليان – الجريدة الكويتية
الشرق اليوم- ما زالت هناك، حتى اليوم، جماعات تعتقد أنه لا وجود لشيء اسمه فيروس “كورونا”، بل هناك “مؤامرة” تقف وراءه للقضاء على “الزائد من سكان الأرض”! كل يوم تخرج “نظرية” جديدة، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها تفيد أن ما يحدث منذ سنة يعود إلى “حكومة عالمية” تدير هذا السيناريو ويشترك فيها مشاهير وشخصيات معروفة، وربما كانت الماسونية تدعمها.
ومن كثرة الخرافات التي انتشرت حول ماهية “الوباء” والذي يرجعه البعض إلى موجات إشعاعية عالية التأثير يتم نشرها في وسائل مختلفة هو السبب فيما يحدث! ولدحض تلك “الأساطير” أنتجت محطة “بي بي سي” على سبيل المثال، برنامجا جديداً يختص بالرد على تلك المزاعم وشرح الحقائق للرأي العام على لسان اختصاصيين وأطباء.
“المؤامرة” لم تتوقف عن الانتشار منذ تناولت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع من رواية الكاتب الأميركي، “دين كونتز” بعنوان “عيون الظلام” والتي صدرت عام 1981 وتنبأت بظهور فيروس قاتل ومصنع “في مختبرات أميركية” يخرج من الصين ومن مدينة “ووهان” بالاسم، ليحد من عدد سكان الكرة الأرضية!
“المؤامرة” أخذت عنواناً آخر وعلى يد جماعة “لوغان” السويسرية وهو عبارة عن مشروع “عنصري” يهدف للحفاظ على سيطرة الجنس الأبيض على العالم.. خلاصته تقوم على أن الرأسمالية في صورتها الحالية لن يقدر لها أن تبقى لفترات زمنية ممتدة طالما بقيت أعداد البشر تتزايد، وهذا من شأنه استنزاف موارد كوكب الأرض، والحل سيكون بالحد من تنامي “الأجناس الأخرى”، وتنتهي بتوصية تقول بضرورة إبقاء سكان العالم عند حدود 500 مليون نسمة للتوازن مع الطبيعة!
ترافقت فكرة “المؤامرة” منذ خروج الفيروس من الصين بعد أن تم التعامل معه من منطلق صراعات ومصالح سياسية بين القوى العظمى، وبات محور خلافات طفت على السطح، وكانت الأنظار تتجه نحو الصين باعتبارها “مصدر الشر”.
ضاعفت بيئة الانتشار الواسع والكبير وعدم القدرة على إيقاف الفيروس، دائرة المخاطر وساهمت في تعزيز نظرية “المؤامرات” نتيجة العجز عن المواجهة! واختلط الحابل بالنابل وصارت الإشاعات والاجتهادات سيدة الموقف، وكلما امتد عمر الفيروس وأخذ مداه وتوقفت حركة الناس بالكامل، كانت أفكار المؤامرة تتعزز أكثر، أما الحديث عن وجود “مؤامرة” خفية لتخليص العالم من الزوائد البشرية فمسألة فيها نظر!
أكثر دول العالم اليوم من حيث عدد الوفيات الناتجة عن هذا الفيروس هي أميركا! إذاً الكلام عن المؤامرة ، وأن وراءها جهات أو شخصيات أميركية… لا يتناسب وحجم الضحايا! وإذا كانت الصين أصل الشر فقد دفعت الثمن مقدماً من اقتصادها والوفيات التي مصدرها الفيروس في ووهان وكل الأقاليم، وإن كانت أرقام الوفيات منخفضة جداً مقارنة بأميركا، ولذلك أسباب أخرى.
فالصين لديها في الأصل تجربة فاعلة بوقف التزايد الهائل بعدد السكان وفي بلد المليار و300 مليون نسمة باتباعها سياسة “الطفل الواحد” اعتباراً من عام 1980 عادت بعد ثلاثة عقود للتراجع عنه، وسمحت للأزواج بإنجاب أكثر من طفل في حال كان أحد الأبوين طفلاً وحيداً، وهذا يعني أنها تخلصت من ملايين السكان دون الحاجة إلى فيروس أو حروب! والأوبئة والحروب حصدت الملايين من أرواح البشر على مر العصور وليس في الأمر ما يستدعي “المؤامرات” .
الحرب العالمية الثانية تعتبر الأكثر كلفة في تاريخ الحروب، فقد أتت على أكثر من 55 مليون إنسان، وهناك من يقول إن الرقم وصل إلى 80 مليون بني آدم، كذلك الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 والتي تسببت في وفاة ما يقرب من 50 مليون شخص في عام واحد وأصابت ربع سكان العالم!
أحدث أرقام الوفيات الناتجة عن فيروس كوفيد19 (2019-2020) لم تتعد المليوني شخص بعد مرور سنة من انتشاره ومن أصل إجمالي تعداد سكان العالم البالغ 7 مليارات و834 مليون نسمة، وهو رقم لن يغير من زيادة الإنجاب أو يوقفه ولن يؤثر في خريطة سكان العالم، أو يحدث التوازن الموعود بين الموارد المتاحة وبين البشر، وهو رقم متواضع جداً قياساً بتاريخ الأوبئة الأشد فتكاً على مر التاريخ.
هناك قدرات هائلة لدى الإنسان بالتكيف مع الحروب والكوارث والأوبئة، من شأنها أن تخلق فينا شيئاً جديداً لم نختبره أو نستكشفه من قبل، تعلمنا الصبر وترتيب الأولويات والأكثر أهمية في وجودنا على هذا الكوكب وفي حياتنا اليومية، وكيف نحافظ على بيئة نظيفة، وأن نعطي قيمة للإنسان، فلنتأمل ماجرى لنا ونأخذ الدروس منها بدل أن نرمي مشاكلنا على الآخرين ونحملهم وزر المؤامرات!