بقلم: مصطفى فحص – الحرة
الشرق اليوم- تداعيات المحاولة الفاشلة لاغتيال المعارض الروسي، أليكسي نافالني، تلاحق الكرملين سياسيا وأمنيا، بعد فشله هذه المرة في حماية أجهزته الأمنية التي انفضح ضلوعها في عملية تسميم نافالني في شهر أغسطس الفائت، فمن الممكن القول أن الأجهزة الأمنية الروسية قد فقدت سريتها، وباتت تفاصيل عملية تسميم ثياب نافالني الداخلية بمواد جرثومية إضافة إلى الأشخاص الذين راقبوه عن كثب ونفذوا العملية معروفة لدى الرأي العام الروسي والعالمي، ولم يعد ممكنا لهم وحتى لآمريهم الإفلات من الاتهام المباشر وحتى من العقاب
هذا الانكشاف في السرية الأمنية على الأرجح سيضع الكرملين في مواجهة مع الدول الغربية وخصوصا الأوروبية التي حذرته مرارا من اللجوء إلى توظيف العنف في حماية السلطة.
حدة المواجهة بين موسكو والعواصم الأوروبية تتصاعد بعد عملية تسميم نافالني الفاشلة، الخارجية الروسية استدعت، الثلاثاء الماضي، سفراء ألمانيا والسويد وفرنسا، وقدمت احتجاجها على استمرار العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي ضد عدة شخصيات أمنية وكيان واحد في 15 أكتوبر عقابا لهم على الضلوع في محاولة تسميم نافالني.
وأعلنت الخارجية الروسية، أنها وسعّت قائمة أعضاء من دول الإتحاد الأوروبي شملتهم في منع دخول أراضي روسيا الاتحادية، وقامت بفرض عقوبات على مسؤولين أوروبيين وذلك ردا على السياسات العقابية الأوروبية.
في حالة نافالني وغيره من المعارضين أو المنشقين الذين تمت تصفيتهم داخل وخارج روسيا، في أغلبها حوادث يمكن ربطها بأزمة يواجهها نظام فلاديمير بوتين نتيجة تراجع السياسة الداخلية في روسيا، وما قد تسببه من مخاطر على الأمن القومي والاستقرار السياسي، مخاطر تستدعي تعاملا غير تقليدي مع حالات استعصى احتواؤها أو إضعاف تأثيرها، لذلك يلجأ النظام إلى تصفيتها بهدف حذفها نهائيا من المشهد.
بلاء أو إبتلاء الكرملين أنه فشل مع الشخص الخطأ، فالعمليات السابقة التي كشفت التحقيقات تورط الأجهزة الأمنية الروسية بعمليات التصفية كما حدث مع سرغي سكريبال في بريطانيا، لم تشكل أزمة سياسية للكرملين بالمستوى الذي تسببته فضيحة نافالني.
كما أن ما أثير من جدل وتوترات مع الغرب بعد العمليات السابقة لم تردعه في التوقف عن تصفية معارضيه، باعتبار أن تحقيق الأهداف لا يخلو من خسائر جانبية يمكن تجاوزها ويمكن التكيف مع تداعياتها، لذلك لم يتردد الكرملين في إطلاق يد هذه الأجهزة في مجالات عديدة من تصفيات جسدية، ودعم قوى يمينية، وهجمات سيبرانية هددت مصالح عالمية.
لعنة نافالني تلاحق الآن سمعة الأجهزة الأمنية الروسية خصوصا جهاز أمن الدولة الفدرالي (FSB) والمخابرات العسكرية GRU، فالأول باعتباره الوريث الشرعي لجهاز أمن الدولة السوفيتي ( KGB) الذي عمل الرئيس الروسي ضابطا في صفوفه وثم مديرا للنسخة الروسية الحالية التي هندسة طريقه الأمني للوصول إلى الكرملين، لكن فضيحة نافالني أثبتت أن كافة الإشاعات عن ترهل الجهاز وضعف كوادره حقيقة بعد العار الذي ألحقه نافالني بسمعته، ولم يعد يحظى بسمعة كانت سببا في ترهيب كافة المواطنيين وإخضاعهم.
لكن الحقيقة المُرة التي يواجهها الكرملين أنه (GRU) فشل في تصفية سرغي سكريبال و(FSB) فشلت في تصفية نافالني، بل إن الأخير استطاع أن يكشف هوية أحد المشاركين في عملية تسميمه الفاشلة واستدراجه من خلال مكالمة هاتفية عبر استخدامه لتطبيق خاص عبر شبكة اتصالات مكنته من خداع العميل قسطنطين كودريافتشيف وإيهامه بأنه مساعد لمدير جهاز الأمن الفيدرالي السابق (FSB) مستشار الأمن القومي الحالي نيكولاي باتروشي، وعندها قام كودريافتشيف الذي ابتلع الطعم بإبلاغ نافالني بكافة تفاصيل عملية تسميمه الفاشلة.
لم يتعرض المبنى الرمادي الغامض وسط ساحة اللوبيناك في وسط موسكو إلى تلك الإهانة بالرغم من خيانات بعض المنتسبين للجهاز في زمن الاتحاد السوفياتي، لكنه كان دوما محافظا على هيبته ووهرته ويمارس رعبا قادرا على تطويع الروس وإيهامهم بأن الجهاز يملك عيونا وأذانا تتبعهم، لكن نافالني كسر هيبة الأجهزة بعدما كسر سابقا هيبة السياسيين وفضح فساد الأوليغارشيا، والآن يوجّه صفعه لمجموعة السيلافيكي التي يبدو أنها لا تختلف عن كافة أجهزة الدولة المترهلة.