بقلم: الحسين الزاوي – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – يُعيد الصراع والتنافس الدائر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين إلى الواجهة معضلة الزعامة والقيادة التي تسعى إلى ممارستها القوى الكبرى عندما تسخِّر كل إمكانياتها للحصول على المرتبة الأولى، فهناك دائماً قوة تهيمن على هذه المرتبة وقوة أخرى تحاول منازعتها عليها وتبذل قصارى جهدها من أجل انتزاعها منها بكل الطرق الممكنة.
إذ إنه وفي اللحظة التي تتربع فيها أمريكا على عرش الزعامة العالمية منذ نهاية الحرب الكونية الثانية، تحاول الصين أن تعيد ترتيب الأوراق لصالحها من أجل الصعود إلى منصة التتويج لتحقّق الحلم الآسيوي الهادف إلى السيطرة على العالم بعد قرون طويلة من الهيمنة الغربية.
يتوجّب علينا الاعتراف في هذا السياق، بأن الانشغال بمسألة الزعامة يؤرِّق واشنطن أكثر مما يسيطر على اهتمام بكين، فهناك هوس أمريكي بشأن الرغبة في الاحتفاظ بالمرتبة الأولى نتيجة لقناعة النخب الأمريكية أن بلادهم تحمل على عاتقها مهمة “مقدّسة” تتعلق بقيادة العالم، وتشير مختلف التقارير إلى أن الاهتمام الأمريكي بآسيا وبالصين بشكل خاص يعود إلى مطلع القرن الماضي، فقد حاولت واشنطن خلال الحرب الباردة توطيد علاقاتها مع الصين من أجل عزل الاتحاد السوفييتي وحرمانه من حليف قوي، وعملت بعد ذلك على تشجيعها على اعتماد اقتصاد ليبرالي ظناً منها أن الليبرالية الاقتصادية ستقود حتماً إلى انفتاح سياسي، وكانت النتيجة أن بكين وظفت الاقتصاد الرأسمالي لترسيخ نظامها السياسي.
وبالتالي فإن حرص واشنطن على الاحتفاظ بما ترى أنه حقها وواجبها في قيادة العالم، يجعلها أكثر توتراً وأكثر سعياً إلى المواجهة مع الصين حتى وإن تطلب الأمر الدخول معها في حرب مباشرة متعددة الأوجه، وهو ما يفسِّر احتفاظ الولايات المتحدة بالجزء الأكبر من قواتها في آسيا، في مناطق لا تبعد كثيراً عن بحر الصين؛ وبخاصة أن الصين حققت ما عجز الاتحاد السوفييتي عن تحقيقه من قبل، فهي تمتلك من جهة اقتصاداً تنافسياً قوياً يسمح بتحقيق تراكم هائل للثروة، وهي من ناحية أخرى تحتفظ بنظام سياسي مركزي قوي يتيح لها تخصيص ما يلزم من الموارد والإمكانيات لتنفيذ الأهداف التي يتم التخطيط لها على المدى البعيد، الأمر الذي يصعب القيام به في نظام ليبرالي قائم على المنافسة السياسية وعلى الفصل بين السلطات.
كما أن الولايات المتحدة لا تكتفي بتضخيم ما تسميه “الخطر الصيني على العالم الحر”، ولكنها تدفع حلفاءها إلى اعتماد سياسية قائمة على المواجهة مع بكين، وتقوم في أحايين كثيرة بالضغط على العديد من الدول من أجل تقليص تعاونها معها وحرمانها من التكنولوجيا الحسّاسة التي تسمح لها بمواصلة تقدمها الهائل. ومن الواضح أن الحصار المضروب على شركة هواوي يمثل النموذج الذي تبني واشنطن عليه خططها المتعلقة بمنع الصين من بسط نفوذها الاقتصادي على العالم؛ وذلك على الرغم من أن حلفاء واشنطن مقتنعون بأن خطاب واشنطن بشأن “الخطر الصيني” يتّسم بالكثير من المبالغة.
وهناك ما يشبه الإجماع لدى المراقبين على أن بكين لا تملك طموحاً كونياً وفق النموذج الذي نلقاه عند القوى الغربية، أو وفق ما كان سائداً لدى الحضارات المتوسطية. ويقول فرانسوا جودمونت إن “الحلم الصيني” الذي يجري الحديث عنه لا يختلف عن الحلم السابق لليابان ويهدف إلى أن تكون من أولئك الذين يوصفون بالمُلّاك الغائبين للعالم، وهي ملكية تفتقر إلى الرغبة الحقيقية في إدارة العالم، وينحصر هدفها في الاستفادة من ثرواته وفي تجنب المخاطر التي يمكنها أن تأتي من الخارج؛ ولعل السيطرة التي تسعى الصين إلى تحقيقها شبيهة إلى حد بعيد بما تمارسه بكين في إفريقيا.
بيد أن عدم سعي الصين إلى تحقيق زعامة مشابهة لزعامة أمريكا لا يعني أن هذه الأخيرة ستظل سيِّدة العالم دون منازع، وقد يكون من إيجابيات مواجهة الصين للهيمنة الأمريكية، هو أنها ومن خلال تحالفها مع روسيا وتعاونها الوثيق مع الدول الآسيوية وعرضها على أوروبا إقامة شراكة متوازنة، تعمل على وضع أسس راسخة لعالم متوازن ومتعدد الأقطاب يتجاوز فوضى حالة ضعف القطبية التي عايشناها خلال العقدين الأخيرين، والتي أدت إلى تراجع قدرة النظام الدولي على التصدي لمختلف النزاعات والأزمات.