الرئيسية / مقالات رأي / الرئيس الأمريكي شريك في السياسة الخارجية

الرئيس الأمريكي شريك في السياسة الخارجية

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة “الخليج” 

الشرق اليوم – إن اتخاذ الرئيس الجديد قراراته منذ سكناه بالبيت الأبيض، بالنسبة لكيفية معالجته للأزمات الدولية التي يواجهها، أو بالنسبة لتوجهات إدارته تجاه منطقة إقليمية، أو دولة بعينها، لا بد أن تسبقها خطوات محسوبة ومدروسة، وتمثل هذه الخطوات حلقات مترابطة في سلسلة واحدة تكمل بعضها، ويشكل نتاج هذه الخطى مؤشراً، عن توجهات السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي.

بداية تأتي الخطوة الأهم عندما يدعو الرئيس إلى اجتماع مجلس الأمن القومي. وهذا المجلس يضم رسمياً الرئيس الذي يدير مناقشاته، ونائبه، ومستشار الأمن القومي، ووزيري الخارجية والدفاع، وعدداً محدوداً من الوزراء المختصين الذين يحددهم الرئيس ويكون لوزاراتهم اتصال بالقضية محل المناقشات.

وتلحق بهذه المجموعة قوة محورية تتكون عملياً من مجموعة صغيرة قريبة من الرئيس، من مستشاريه للسياسة الخارجية ذوى المعرفة والفكر المتنور، يعززهم مئتان (200) من شباب الخبراء المعاونين، مهمتهم تحليل القرارات التي تم الاتفاق عليها، وصياغتها في شكلها النهائي.

أثناء جلسة مجلس الأمن القومي، يدعو الرئيس كل مشارك، إلى الإدلاء برأيه، حتى ولو تعارضت بعض الآراء مع بعضها الآخر، وفي النهاية يرجح الرئيس وجهة نظر البعض، على البعض الآخر، فهو في النهاية من يختار التوجه الذي يقتنع به.

قبل هذه الجلسة يكون الرئيس قد تم تزويده بمعلومات عن آخر الأحداث التي تهمه في العالم، من خلال تقرير من وكالة المخابرات المركزية، التي اعتادت أن تقدمه إلى كل رئيس في الساعة السادسة صباحاً. وأحياناً ما تقدم اللجنة القومية للحزب، مشورتها للرئيس في بعض القضايا التي تكون محل اهتمامه.

ولا نستطيع أن نتجاهل دور النخبة، الممثلة في مراكز الفكر السياسي Think Tanks التي تنبت فيها الأفكار، وتنضج، ثم تنتقل إلى مؤسسات الدولة، بدءاً من البيت الأبيض، التي يتبناها كسياسة خارجية للدولة. ويحدث أن يكون الرئيس في احتياج لرؤية متكاملة ومدروسة للتعامل مع قضية دولية، ويكون خبراء من أحد هذه المراكز قد توصلوا إلى كتابة ورقة بحثية تتضمن كيفية التعامل مع هذه القضية، فيقتنع بها الرئيس، ويتبناها كسياسة خارجية رسمية للدولة.

حدث هذا في نماذج متعددة منها على سبيل المثال عندما قرر الرئيس جيمى كارتر، عقد مفاوضات كامب ديفيد، فإنه استخدم اقتراحاً قدمه اثنان من الخبراء المرموقين بمعهد بروكنجز، ويتضمن قيام الرئيس الأمريكي بدعوة كل من رئيس مصر ورئيس وزراء إسرائيل إلى اجتماع ثلاثي يشاركهما فيه الرئيس الأمريكي، ويعقد في مكان خارج العاصمة واشنطن، وبعيداً عن عيون وسائل الإعلام، وتستمر المباحثات في هذه المنطقة النائية، إلى أن تصل إلى اتفاق. وهو ما طبقه كارتر في مباحثات استمرت 13 يوماً، إلى أن تم توقيع اتفاق كامب ديفيد.

والنموذج الآخر كان في عام 1957، والدولة الأمريكية مشغولة بالسياسة النووية، يومها كتب الباحث الشاب هنرى كيسنجر، وكان لا يزال مدرساً بجامعة هارفارد، وقت رئاسة إيزنهاور، ورقة بحثية عن الردع النووي، تبناها إيزنهاور كعنصر من عناصر السياسة الخارجية.

وإن ما نراه أمامنا حالياً أن بايدن حدد بالفعل اتجاهاته فيما يتعلق ببعض التغييرات في سياسة الولايات المتحدة في العلاقة مع الحلفاء في أوروبا والصين وإيران، وغيرها، وإن لم يتبلور الموقف من بعض قضايا الشرق الأوسط، وتلك لا بد أن تكون محل مناقشات في مجلس الأمن القومي، مع الاستعانة بالدوائر المكملة والمشار إليها.

ثم إن ما جرى من تحولات في السنوات الأخيرة، خاصة في السنوات الأربع التي كان فيها ترامب ومعاونوه من الخبراء، في مقاعد الحكم في أمريكا، لابد وأن يكون تحت نظر الإدارة الجديدة، خاصة ما يتعلق بتصاعد القدرة التنافسية عالمياً مع الولايات المتحدة، سواء من جانب قوى كبرى كالصين وروسيا، أو من ناحية دول إقليمية حققت صعوداً في قدراتها الداخلية اقتصادياً، وعسكرياً، ووصل بها إلى مكانة مؤثرة تتجاوز حدودها الإقليمية.

إذاً فإن العملية السياسية في الولايات المتحدة تبدو مسألة معقدة وترجع أسباب ذلك إلى طبيعة النظام السياسي الذي يختلف كثيراً في صناعة القرار، عن مثيله في أية دولة أوروبية. والاختلاف موجود أيضاً فيما يمكن أن نصف به الرئيس الأمريكي بأنه شريك ضمن شركاء آخرين في صناعة قرار السياسة الخارجية، بعكس الحال في دول الغرب الديمقراطية، باستثناء طبعاً الأنظمة الرئاسية التي يكون فيها الرئيس صاحب قرار السياسة الخارجية، كما هو الحال في فرنسا على سبيل المثال.

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …