BY: William A. Haseltine
الشرق اليوم – اجتاح فيروس كورونا المُستجد الكوكب في عام 2020، حيث ضرب آسيا أولاً، وسرعان ما انتقل إلى جميع أنحاء أوروبا والأميركتين، في حين بدا كأنه موجة مُستمرة من الحزن، ومع مرور الأحداث، من أول 100 حالة وفاة في يناير، ثم 1000 في فبراير، ثم 10 آلاف وفاة في مارس، و100 ألف في أبريل، ومليون، اعتباراً من سبتمبر، والسؤال المطروح دائماً: متى سينتهي هذا الوباء؟!
على الرغم من حدة الوباء، يعتقد الكثيرون ببساطة أنه سينتهي في وقت ما من العام الجديد، لكن هذه الآمال في غير محلها، إذ تتضمن السيطرة على الوباء أربعة عناصر أساسية: القيادة، و”الحكامة”، والتضامن الاجتماعي، ومجموعة الأدوات الطبية، وقد فشلت أغلبية الدول اليوم في تحقيق العناصر الثلاثة الأولى، ما عدا ضمان بقاء وباء “كوفيد 19” معنا خلال العام المقبل.
سيعرف فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي على الأرجح ارتفاعاً حاداً في حالات الإصابة والوفيات، ستكون الخسائر هائلة بشكل خاص في أوروبا وأميركا الشمالية، إذ ارتفعت مُعدلات الإصابة اليومية بالفعل في منتصف فصل الخريف، وعندما سيُصبح الطقس دافئاً في الشمال، ستعرف أميركا الجنوبية طقساً بارداً، وسنجد أنفسنا أمام موجة وبائية أخرى.
أما بالنسبة للعنصر الرابع من عناصر السيطرة على الوباء، فيفترض العديد من المُراقبين أن لقاحاً أو علاجاً منقذاً للحياة سيكون متاحاً قريباً، صحيح أن الوباء قد أظهر أفضل ما في العلم والطب، فقد عمل الباحثون في جميع أنحاء العالم بشكل أسرع وتعاونوا بشكل وثيق أكثر من أي وقت مضى، حيث تمكنوا من التعرف على نوع الفيروس وتحديد تركيبته الجينية والعمل على اللقاحات والعلاجات المُحتملة، ولكن حتى مع تحقيق هذه النجاحات المذهلة، لا تزال هناك فرصة ضئيلة جداً للحصول على لقاح أو علاج آمن ومتوافر عالمياً وفعال، بما يكفي لوقف الوباء قبل نهاية 2021.
في الواقع، حتى وقت كتابة هذا المقال في أواخر عام 2020، لم نشهد بعد نتائج واضحة لأي من اللقاحات المُرشحة حالياً التي تجري عليها تجارب سريرية مُتقدمة، فقد تفاءلت شركات الأدوية، لكن تصريحاتها الصحافية لم تكن كاملة من حيث البيانات، وبناء على ما نعرفه اليوم، يمكننا التأكد من أن أياً من اللقاحات قيد التطوير لن يمنع الإصابة بالعدوى أو يُوفر مناعة دائمة مدى الحياة ضد الفيروس، وفي أحسن الأحوال، ستُساهم هذه اللقاحات في الحد من أعراض المُصابين وتقليل حالات الإصابة التي تتطور إلى حالات خطيرة، علاوة على ذلك، قد تتطلب اللقاحات قيد التطوير حالياً جرعات متعددة، مع تأخر قد يصل إلى شهرين قبل جني الفوائد.
وعلى نحو مماثل، لن تكون العلاجات المُنقذة للحياة بالنسبة لأولئك المُصابين بـ “كورونا” مُتاحة على المدى القريب، فقد أثبتت العلاجات التي حظيت في البداية بضجة هائلة، مثل عقار ريمديسفير، وعلاج بلازما النقاهة، وعقار الديكساميثازون، أن تأثيرها ضئيل أو معدوم على معدلات الإصابة بالمرض أو الوفيات الناتجة عنه بشكل عام، كما أن توفير علاجات ذات إمكانات علاجية أكبر، مثل الأجسام المضادة الوحيدة النسيلة، سيستغرق عدة أشهر، وقد تُثبت هذه العلاجات في النهاية أنها مُكلفة جداً، بحيث لا يمكن توفيرها على نطاق واسع.
إن غياب حل طبي سريع سيزيد الحاجة إلى القيادة والحكامة والتضامن الاجتماعي، ويتعين على القادة السياسيين تحمل المسؤولية الكاملة عن الأرواح التي فُقدت، فبعد أقل من ثلاثة أسابيع من تحديد العلماء نوع الفيروس، وبعد الإبلاغ عن أول حالة وفاة في مدينة ووهان الصينية، فرض الرئيس الصيني شي جين بينغ تدابير الإغلاق الصارمة على 57 مليون مواطن صيني في مقاطعة هوبي، ومنعهم من السفر إلى مناطق أخرى، ومن مغادرة منازلهم إلا للضرورة القصوى.
أظهرت الصين أن معدل الإصابات الجديدة يمكن أن ينخفض إلى النصف في أسبوعين فقط من خلال اتخاذ تدابير قياسية مثل فرض ارتداء الكمامات، وممارسة التباعد الاجتماعي، والتزام الحجر الصحي والعزل بشكل إجباري، وعلى النقيض من ذلك، في دول مثل: البرازيل والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، استبعد القادة السياسيون الوطنيون هذا التهديد وترددوا في حشد الاستجابة المناسبة.
عزا العديد من المُعلقين نجاح الصين إلى اتباع النظام الشمولي، لكن في واقع الأمر، لا يُعد نظام الحكم في أي بلد العامل الحاسم، فالأمر الأكثر أهمية هو ما إذا كان القادة السياسيون على استعداد لاستبدال المعاناة الاقتصادية القصيرة الأجل ووسائل الراحة اليومية من أجل سلامة مواطنيهم. في نيوزيلندا وأستراليا – وكلتاهما ديمقراطية نابضة بالحياة – أدت القيادة الجريئة والحكامة الرشيدة إلى انخفاض نسبة الإصابات الجديدة إلى الصفر تقريباً، وتمت مكافأة القادة السياسيين مثل رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن في صناديق الاقتراع بناء على ذلك.
لقد علّمَتنا السّنة الأولى من التعامل مع “كوفيد 19” أن التدابير التدريجية لن تؤدي إلا إلى زيادة حدة الوباء، إذ تتطلب الأزمات الوطنية والعالمية اتخاذ إجراءات مُنسقة على الصعيدين الوطني والعالمي، وقد فشلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وكذلك البرازيل وغيرها من البلدان المُتخلفة، في كلتا الحالتين، وفي الواقع، لا تزال بعض البلدان تسعى وراء تحقيق نظرية مناعة القطيع السخيفة، على الرغم من الأدلة العلمية التي تشير إلى عدم وجود حماية مُماثلة من هذا المرض.
هناك أربعة أنواع شائعة للفيروسات التاجية (رغم قلة ملاحظتها) تصيب ما يصل إلى 15 في المئة من سكان العالم كل عام، والتي تعود عاماً بعد عام، وغالباً ما تُعيد إصابة الأشخاص أنفسهم، إذا افترضنا أن “سارس كوف 2” ليس استثناء، فإن أي دولة تعلق آمالها على استراتيجية مناعة القطيع ستُعرض بقيتنا للخطر سنة تلو الأخرى.
على الرغم من أن الحكومة الصينية ارتكبت في وقت مبكر بعض الأخطاء الفادحة، فإنها قامت بخطوة صائبة تتمثل في تحذير بقية العالم من أن الفيروس مُعد وقابل للانتقال جواً، ويمكن السيطرة عليه فقط من خلال تنفيذ إجراءات صارمة وفورية. تُعد الدول التي تجاهلت هذا التحذير منذ ذلك الحين الأكثر تضرراً على المستويين الاقتصادي والإنساني، وفي هذه الأثناء، تمكنت البلدان التي أظهرت تضامناً اجتماعياً في السيطرة على تفشي المرض من إعادة فتح اقتصاداتها وفتح حدودها للضرورة.
في النهاية، على الرغم من ذلك، فإن الاستجابة الجماعية تعكس فقط مجموع الأنشطة الفردية، وفي العديد من البلدان، يخشى الأفراد أن يؤدي تطبيق تدابير الحماية إلى التنازل عن الحريات الشخصية، لكن في أوقات الحرب، عندما تكون الأخطار واضحة، أظهر الناس باستمرار مدى استعدادهم للتضحية من أجل إخوانهم المواطنين.
من الواضح أن تحسين التواصل مع الأفراد أمر بالغ الأهمية، فنحن في حالة حرب مع هذا الفيروس الخبيث، حيث يُشكك القليل من الناس في أهمية الحرية الشخصية، لكن هذا هو الوقت الذي نحتاج فيه جميعاً إلى التخلي عن بعض وسائل الراحة من أجل سلامة من حولنا.
يُذكرنا كل زلزال جديد أو إعصار تسونامي أو مرض ناشئ بأن الطبيعة قوة خطيرة، وإذا كان هناك سبب يدفع العديد من الدول الآسيوية للاستجابة بشكل أسرع وأكثر فعالية لوباء “كوفيد 19″، فذلك لأنها ما زالت تحتفظ بذكريات مرض السارس، وإنفلونزا الخنازير، وإنفلونزا الطيور، وتُظهر التجارب التي مرت بها في السنوات الأخيرة أن تدابير الصحة العامة التي يتم تطبيقها بشكل صارم من خلال القيادة الجريئة والحكامة الجيدة والتضامن الاجتماعي يمكن أن تُساعد في السيطرة على الوباء والحد من عدد الوفيات بشكل أسرع.
هذا هو أكبر درس يجب الاستفادة منه في عام 2020، وإذا لم يتم دمجه في السياسات الوطنية عام 2021، فقد لا يستمر الوباء خلال العام المقبل فقط، ولكن سنوات عديدة قادمة.
ترجمة: الجريدة