بقلم: أحمد يوسف أحمد – الاتحاد
الشرق اليوم- بعد حوالي عشرة شهور من استقالة الدكتور غسان سلامة، أعطى مجلس الأمن الضوء الأخضر لتعيين البلغاري نيكولاي مالادينوف مبعوثاً أممياً جديداً لليبيا، ولا أعتقد أن أحداً من المتابعين للتفاصيل الدقيقة لتطور الصراع في ليبيا تخالجه ذرة من الشك في أن مصيره سيكون مصير من سبقوه، وهم عبد الإله الخطيب الأردني وإيان مارتين البريطاني وطارق متري اللبناني وبرنارد ليون الإسباني ومارتن كوبلر الألماني وغسان سلامة اللبناني.
ورغم تفاوت توجهاتهم وكفاءاتهم وتنوع مقترحاتهم لحل الصراع، فإن شيئاً ذا بال لم يحدث في عهد أيٍ منهم رغم ما بدا أحياناً من أن ثمة إنجازات قد تحققت أو في طريقها للتحقق. وليس أدل من ذلك من «اتفاق الصخيرات» (2015) الذي ظن الكثيرون أنه الحل ثم كان ما كان. ولماذا نعود لخمس سنوات مضت ولدينا الجهود الحالية المتعثرة التي جاءت بعد العديد من المؤتمرات الدولية واللقاءات بين أطراف الصراع المحليين، وهو ما اعتُبِر بدايةً كمؤشر على إدراكهم أن التسوية السياسية هي المخرج الوحيد من الصراع.
وتنوع الجدل بين المتفائلين بجنسية المبعوث، فرأى البعض أن عروبته، كما في حالة طارق متري وغسان سلامة، قد تكون أدعى إلى الفهم السليم لحقائق الصراع والحرص على مستقبل بلد عربي شقيق. وذهب آخرون إلى العكس، بمعنى أن أوروبية المبعوث، كما في الحالات الأخرى، تفضي به إلى الحيدة تجاه أطراف الصراع. وكلها وجهات نظر ثبت عدم صحتها. فقد اتُهِم الجميع بدرجة أو بأخرى بالانحياز لهذا الطرف أو ذاك، أو بالخضوع لتأثير هذه القوة أو تلك، والأهم أن النتيجة كانت واحدة وهي الفشل في حل الصراع. ولعل غسان سلامة قد أدرك، وهو الخبير بالسياسة العربية دراسةً وممارسةً، مدى تعقد الصراع واستعصائه على الحل، ففضّل الاستقالة على البقاء في عمل محكوم عليه بالفشل.
ومن الأهمية بمكان القول إن هذه الظاهرة موجودة بالتفاصيل ذاتها في الصراعين الدائرين في سوريا واليمن، فقد تعاقب على سوريا أربعة مبعوثين من الجنسيات الغانية والجزائرية والسويدية/الإيطالية والنرويجية، وتعاقب على اليمن ثلاثةٌ، اثنان منهم عرب هما جمال بن عمر المغربي وإسماعيل ولد الشيخ أحمد الموريتاني، والثالث بريطاني هو مارتن جريفيث، لتؤول النتيجة إلى المصير ذاته.. فما تفسير هذه الظاهرة؟
لا شك في تعقد الصراع الليبي، مثل نظيريه السوري واليمني، وإن تباينت درجة هذا التعقد، فأطرافه المحليون منقسمون على أسس أيديولوجية أو مناطقية أو قبلية، وفي الحالة السورية يُضاف الاعتباران العرقي والمذهبي، والأخير حاضر أيضاً في الحالة اليمنية. ولا شك كذلك في تعقد شبكة القوى الخارجية الإقليمية والدولية المتدخلة في الصراع، فهي تضم في الحالة الليبية تركيا ودولا أوروبية، في مقدمتها إيطاليا وفرنسا ناهيك بروسيا والولايات المتحدة. والصورة في سوريا مأساوية، حيث باتت قوتان إقليميتان (تركيا وإيران) وقوة عالمية هي روسيا تتحكم في مسار الصراع، مع حضور أميركي رمزي، لكنه قادر على التأثير.
إلا أن كل ذلك التعقد متوقع في هذا النوع من الصراعات، وإنما السبب الرئيسي في تقديري للفشل المزمن لمهام المبعوثين الأمميين هو عجز بنية الأمم المتحدة، وتحديداً مجلس الأمن، بسبب حق الاعتراض الذي تمتلكه الدول الخمس دائمة العضوية فيه، والذي يؤدي -نظراً لتضارب مصالح هذه الدول- إلى شل حركة المبعوثين الأمميين عندما تتعارض مع أيٍ من هذه المصالح، بل وعجز المجلس ذاته عن عقاب الدول التي تنتهك قراراته، كما هو شأن تركيا وتدخلها في الصراع الليبي. وإلى أن تُصْلَح هذه البنية العاجزة أو يتم تطوير بنية بديلة فاعلة، سوف يتوالى المبعوثون الدوليون دون جدوى.