بقلم: موناليزا فريحة – النهار العربي
الشرق اليوم – يتنقل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من جبهة منسيّة إلى أخرى، مستكملاً سنة “فتوحات” توّجها بتقاسم النصر في كراباخ مع الرئيس الأذري، إلهام علييف. وبعدما ساهم في تأجيج النزاع بالسلاح والمرتزقة، استفاد من رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في استبعاد مجموعة مينسك التي ترأسها الولايات المتحدة وفرنسا، من أي وساطة في النزاع، ليدعي لنفسه دوراً في اتفاق وقف النار.
تعامل بوتين على مدار هذه السنة، مع تحركات أنقرة بكثير من ضبط النفس. في إدلب كما في ليبيا، لا يزال الرئيس الروسي يتردد في الذهاب الى مواجهة مباشرة مع صديق – عدو يستغله في نزاعه مع واشنطن وحلف شمال الأطلسي. حتى عندما أرسلت تركيا أسلحة ومرتزقة إلى فنائه الخلفي في القوقاز، غض بوتين الطرف على مضض. لكنّ الجبهة الجديدة التي يضع رجل تركيا القوي عينه عليها أخطر من سابقاتها وليس واضحاً بعد إذا كان سيتجرأ أصلاً على مواجهة بوتين مباشرة فيها.
ففيما تتزايد الضغوط على الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، للذهاب إلى حل عسكري في منطقة الدونباس التي يسيطر عليها انفصاليون موالون لموسكو، يكرر المسؤولون الأتراك أخيراً انتقاداتهم لموسكو في ما يتعلق بالقرم، ووصف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، القرار الذي اتخذته موسكو عام 2014، لضم شبه الجزيرة، بأنه غير قانوني، وأكد وجوب التوصل إلى حل لمنطقة الدونباس، في إطار سيادة الاراضي الاوكرانية.
ليس الموقف التركي في شأن النزاع على القرم ولا شرق أوكرانيا، جديداً، إلا أن أردوغان اعتاد أن يعيد التلويح به كلما توترت العلاقة بينه وبين موسكو.
ونشطت التصريحات التركية عن القرم والدونباس أخيراً وسط حركة زيارات متبادلة على خط أنقرة – كييف، وآخرها زيارة وزير الخارجية التركي ووزير الدفاع، خلوصي أكار، للعاصمة الأوكرانية الأسبوع الماضي. واكتسبت اللقاءات الوزارية التي عقدتاها في سياق منتدى 2+2 أهمية للجانبين، وسط إعلان عن تعاون في الامن والدفاع والتجارة والاستثمارات وتوقيع اتفاقات لشراء عتاد وطائرات من دون طيار للجيش الأوكراني.
ويتابع الإعلام الروسي هذه الزيارات من كثب، ويربطها بتقارير عن حشود أوكرانية على حدود منطقة الدونباس، وتكهنات بأن كييف قد تكون تخطط لاستعادة مناطقها الشرقية، بمساعدة تركية، في سيناريو يشبه استعادة باكو جزءاً من إقليم كراباخ.
وثمة من ذهب إلى القول إن كييف قد تستعين بطائرات “بيرقدار” التركية لمراقبة القرم ومضيق كيرتش الذي يربط بين البحر الأسود وبحر آزوف.
لا تخفي كييف آمالها المعقودة على أنقرة في هذا النزاع، وهي تعوّل ربما على الطموحات التوسعية لأردوغان وأحلامه باستعادة مجد السلطنة، أكثر من تعهداته بالدفاع عن تتار القرم. وأعرب وزير الخارجية الأوكراني، كوليبا دميترو، صراحة، عن تطلعات بلاده خلال زيارته لأنقرة مطلع الشهر، عندما قال إن كييف تتوقع من انقرة الاضطلاع بدور قيادي في النزاع على القرم، مشيراً الى العلاقات التاريخية مع شبه الجزيرة التي كانت جزءا من الامبراطورية العثمانية حتى القرن الثامن عشر.
وعلى غرار الإعلام الروسي، من البديهي أن يتابع السياسيون الروس التحركات الاوكرانية – التركية. لكنّ السناتور الروسي أليكسي بوشكوف، حذر من أن النزاع في كراباخ لا يمكن أن يتكرر في الدونباس. فبينما حظيت باكو بدعم مباشر من أنقرة في كراباخ، لا يمكن لأوكرانيا أن تعتمد إلا على دعم غير مباشر من الناتو والولايات المتحدة في شرق أوكرانيا.
ثمة عوامل كثيرة تدفع الساعين إلى حل عسكري للنزاع الأوكراني – الروسي للدفع في خططهم، ليس أقلها فوز الرئيس الاميركي جو بايدن، الذي أبدى خلال ولاية الرئيس باراك أوباما، دعماً قوياً لكييف في نزاعها مع موسكو، خلافاً للامبالاة التي أظهرتها إدارة الرئيس دونالد ترامب حيال كييف.
بدوره، لن يتوانى أردوغان عن محاولة التودد لبايدن في أوكرانيا، لعلمه بأن الإدارة الديموقراطية ستتخذ منه مواقف حازمة في ملفات عدة، وفي مقدمها شراؤه نظام”أس 400″ من موسكو. ومع ذلك، تخطئ كييف إذا اعتقدت أن أردوغان سيرسل قوات إلى أراضيها كما فعل في كراباخ، أو أنه سيتجرأ على مواجهة موسكو مباشرة. فلبوتين في أوكرانيا ألف سبب وسبب يدفعه إلى الوقوف في وجه أردوغان، وهو ما لم يضطر إلى القيام به في سوريا وليبيا وكراباخ.