الرئيسية / مقالات رأي / علاقات من دون سلام

علاقات من دون سلام

بقلم: طوني فرنسيس- اندبندنت عربية

الشرق اليوم- قبل سنة وبضعة أشهر فاخر أحد رجالات النظام الإيراني باتساع حدود جمهوريته الإسلامية لتشمل المشرق العربي وصولاً إلى اليمن، قبله كان مسؤول آخر يعلن أن نظامه بات يتحكم بأربع عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وعندما جرت الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان عام 2018، جاهر المسؤول عن فيلق القدس في حينه، قاسم سليماني، أن المحور الذي تقوده بلاده، يحوز الأكثرية في المجلس النيابي اللبناني (74 نائباً من أصل 128 هم أعضاء البرلمان في هذا البلد العربي).

إمام مدينة مشهد آية الله أحمد علم الهدى، ذهب بعيداً في تفصيل الأفكار الإيرانية، وقال في خطبة الجمعة، في سبتمبر (أيلول) 2019، إن مساحة إيران هي أكبر من حدودها الجغرافية، “إيران اليوم ليست فقط إيران ولا تُحد بحدودها الجغرافية، الحشد الشعبي في العراق و”حزب الله” في لبنان وأنصار الله (جماعة الحوثي) في اليمن، وقوات الدفاع الوطني في سوريا، والجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين، هذه كلها إيران”.

قائل هذا الكلام ليس شخصية ثانوية في نظام الملالي، إنه عضو في مجمع الخبراء المكلف تعيين المرشد ومتابعة عمله وصولاً إلى صلاحية إقالته، ولم ينف أحد ما قاله، وبالعكس، فإن تبنيه قصف مواقع نفطية سعودية في تلك الفترة، واكبه هجوم منظم من مسؤولين إيرانيين ومواقع إعلامية تابعة وقادة منظمات تمولها طهران في لبنان والعراق واليمن، على إمارات الخليج ودوله وعلى المملكة العربية السعودية والعائلة المالكة، وصلت إلى إطلاق تهديدات مباشرة بتدمير “مدن الزجاج” الخليجية، والمقصود ضرب تلك النهضة العمرانية الحضارية، التي تحققت في منطقة الجزيرة العربية بينما كانت جمهورية الخميني تتهالك في مشاكلها وتخلفها ورغبتها المميتة في التوسع على حساب جيرانها .

لم يتطوع أحد من الذين أعلنت إيران ملكيتها لهم للرد على تصريحات الضم تلك، التنظيمات المشمولة بالاستتباع ستنفذ المطلوب منها، لكن الحكومات “الرسمية” نفسها بدت موافقة وحرصت على إبداء دعمها السياسة الإيرانية وعدم ممانعتها في ممالأة ادعاءاتها، لقد بات التهديد الإيراني أمراً واقعاً، عبر تمزيق الكيانات العربية من جهة، ورفع بلط الصواريخ ضدها من جهة ثانية، وكل ذلك تحت راية الذهاب إلى القدس وتحريرها.

نستعرض هذه الوقائع وصولاً إلى محاولة فهم التطورات الأخيرة التي أملت على بعض الدول الخليجية، إضافة إلى السودان والمغرب، إقامة علاقات مع إسرائيل في إطار تعزيز علاقاتها مع واشنطن عشية انتقال السلطة من رئيس جمهوري إلى آخر ديمقراطي.

بداية، يمكن الجزم أن السلوك الإيراني تجاه هذه الدول، أسهم بقوة في دفعها إلى خياراتها الجديدة، ففي حالة البحرين، لم تتوقف طهران يوماً عن ادعاء ملكيتها هذه البلاد منذ قرون، وفي السنوات الأخيرة عملت على بث الشقاق المذهبي لتنفيذ سياساتها، لقد شهدت البحرين طوال تاريخها نهضة سياسية وتنوعاً ديمقراطياً، ونمت فيها معارضة خارج النطاق الديني، لكن التدخل الإيراني مزق هذه المعارضة وحولها إلى أداة في معركته المذهبية لضرب المجتمع المحلي، ومن ثم اختراقه بالإرهاب والترويع.

وفي الإمارات، ما زالت إيران تحتل منذ الاستقلال وقيام الدولة الجزر الثلاث، أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى، ولم يخلُ بيان للأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية من إشارة إلى حق الإمارات في هذه الجزر منذ عهد الشاه وصولاً إلى خلفائه الحاليين، وعلى الرغم من ذلك، تواصل إيران رفضها القرارات الدولية والعربية، ودعمها قوى ومنظمات معادية للإمارات.

ومع أن نظام عمر البشير الإسلاموي سعى بقوة إلى تقارب مع طهران على مدى سنوات، تحت وطأة الحصار الداخلي والخارجي الذي تعرض له، مثله مثل النظام الإيراني، فإن التبادل التجاري بين البلدين لم يتعد 150 مليون دولار.

وكانت علاقات البلدين سطحية ونتيجة حاجة نظام البشير لدعم في حروبه الداخلية المتعددة، واعتبرتها إيران فرصة لتصدير ثورتها “المذهبية” ما أدى إلى انتفاضة ضد منشوراتها في معرض الخرطوم للكتاب وطردها منه، ولقد سعت إيران إلى استغلال السودان لتوسيع نفوذها في باب المندب والبحر الأحمر، إلا أن عودة الخرطوم إلى الحضن العربي بعد الانقلاب الحوثي في اليمن، أظهر عقم محاولات التوسع الإيرانية، وانتهى الأمر بقطع العلاقات السودانية الإيرانية في مطلع عام 2016.

في الحالة المغربية، استمر العداء بين البلدين حتى مطلع التسعينيات، وكان الملك الحسن الثاني صديقاً لشاه إيران، وقطع علاقات بلاده مع طهران عام 1980 بسبب اعترافها بالجمهورية الصحراوية، التي يعتبرها المغرب جزءاً من ترابه الوطني، وبعد عامين، أعلن “أمير المؤمنين”، وهو لقب ملك المغرب “تكفير” الخميني، متهماً طهران بالتحريض على احتجاجات دامية في مدن مغربية عام 1984، وانتهى التحسن البسيط في علاقات البلدين بعد تبادل السفراء عام 1993، إلى قطع العلاقات في 2009 على إثر التدخل الإيراني في البحرين، واتهام البعثة الإيرانية في المغرب بـ “نشر التشيع”، وبعد أن استعيدت العلاقات على مستوى السفراء في 2016، أعاد المغرب قطعها في 2108 على خلفية اتهام “حزب الله” بتسليح وتدريب عناصر من جبهة بوليساريو عبر دبلوماسي يعمل في سفارة إيران في الجزائر، وبالطبع نفت طهران و”حزب الله” الأمر، وأعلنت السعودية والإمارات والبحرين تضامنها مع المغرب .

كان العامل الإيراني حاضراً في قرار الدول العربية المذكورة إقامة علاقات مع إسرائيل برعاية مباشرة من الولايات المتحدة الأميركية، يجمع بين هذه الدول عدم وجودها على خط المواجهة المباشر وتمسكها بالقرارات الدولية الخاصة بحقوق الشعب الفلسطيني، وهو في أي حال ما تقوله الدول الأخرى “الأشد عداء” للدولة الصهيونية، وفي مقدمها سوريا التي تحتل إسرائيل أرضها منذ 1967، وتستمر بقيادة النظام الأسدي بحفظ أمن حدود الاحتلال منذ 1974، من دون طلقة واحدة.

وتعرف تل أبيب أن “ما يجري لا يعني السلام” وأن “وضعها الإستراتيجي لم يتغير” قياساً إلى متطلبات السلام الأساسية في إيجاد حل عادل لقضية الشعب الفلسطيني، وإنهاء احتلال الأرض العربية بعد 1967.

ويقول تسفي برئيل محلل الشؤون العربية في صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية إن “بإمكان نتنياهو أن يتباهى بتحالفات السلام الجديدة. لكن لا يوجد هنا سلام إقليمي مع إسرائيل، وإنما ما يشبه مقصفاً مفتوحاً، تختار منه أَي دولة المقابل الملائم لها للثمن الذي تدفعه. الإمارات ستحصل على طائرات F35، البحرين تحصل على حماية أميركية، السودان سيُزال عن قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وسيكون بإمكانه الحصول على مساعدات مهمة من مؤسسات تمويل دولية، والمغرب سيحظى باعتراف أميركي بسيادته في الصحراء الغربية “.

يُضيف برئيل، “هذه الدول ليست في حالة حرب فعلية مع إسرائيل، ولا توجد لها مطالب بتنازلات، وصندوق التعويضات ليس في تل أبيب وإنما في واشنطن، التي ستنقل الآن صلاحية التوقيع على الشيكات إلى يد بايدن”.

لن تغير الوقائع الجديدة الشعور السائد بالتضامن الشعبي العربي في مواجهة عدوانية إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني، لكنها تكشف مرة أخرى هزال الادعاء الإيراني بالحرص على فلسطين من باب الإمعان في تهديد العالم العربي وتمزيق مجتمعاته، وربما تُقرب المسافة إلى مقاربة جدية لإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي، وانصراف العرب إلى معالجة قضايا عمرانهم وتقدمهم.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …