بقلم: روبرت غيتس
الشرق اليوم- نشر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت غيتس، مقالا في صحيفة “نيويورك تايمز”، رحب فيه بالعقوبات التي فرضت مؤخرا على أنقرة، داعيا إلى مواصلة محاسبة الحلفاء قبل الانتقال إلى الخصوم.
ورأى غيتس الذي تولى وزارة الدفاع الأمريكية بين عامي 2006 – 2011، حاجة في تشديد الضغوط ليس فقط على المعارضين الجيوسياسيين، بل وعلى أقرب الحلفاء، مركزا في هذا السياق على تركيا وألمانيا اللتين بدأتا تسمحان لنفسيهما بالكثير!
وأعرب وزير الدفاع الأمريكي الأسبق عن تأييده للعقوبات التي فرضت قبل أيام على تركيا، مشيرا إلى أنها ليست أكثر من “بداية جيدة”.
ولفت غيتس إلى أنه إذا لم تكن الصورة مع ألمانيا واضحة تماما بعد في ضوء سلوك الإدارة المقبلة، إلا أنه يمكن التحدث بثقة عن تركيا، فهي ستواجه أوقاتا صعبة، وستكون مضطرة للدفاع عن حقها في انتهاج سياسة سيادية.
في الأسبوع الماضي، فرضت واشنطن عقوبات شخصية على إسماعيل دمير، رئيس إدارة الصناعات الدفاعية التركية وثلاثة مسؤولين آخرين على حلفية شراء أنظمة الدفاع الجوي الروسية إس -400.
ووصف الوزير الأمريكي الأسبق الخطوة بأنها، ضربة موجعة لأنقرة، وذلك لأن دمير، هو أحد أقرب المقربين من الرئيس التركي. والأهم من ذلك، أن المجمع العسكري الصناعي في تركيا، الذي استثمر أردوغان شخصيا في تطويره الكثير من الجهود، يعتمد بشكل حاسم على التعاون مع الغرب، في قضايا الترخيص وتوريد المكونات.
وأشار المقال إلى أن أجراس تحذير أنقرة تقرع منذ فترة طويلة، ومن أمثلة ذلك، أن عقدا كبيرا مع باكستان لتصدير مروحيات عسكرية تركية من طراز “تي 129″، كان لأشهر على وشك الانهيار، وكل ذلك بسبب منع الأمريكيين ترخيص المحركات التي تم تجهيز الدبابات بها.
كما أوقف الكنديون إمداد الأتراك بأنظمتهم الكهروضوئية المستخدمة في طائرات “بيرقدار TB2″، والتي أعلنت نفسها بصوت عال خلال تفاقم الوضع الأخير في قره باغ.
الأمر ذاته فعلته ألمانيا، حيث قطعت الأكسجين عن الإنتاج المتسلسل لدبابات آلتاي ولهذا اتهمها المسؤولون الأتراك بخرق الالتزامات التعاقدية.
واستنتج غيتس أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إسماعيل دمير، ستؤدي بلا شك إلى تفاقم الصعوبات الصناعة، لأن الأتراك لا يستطيعون استبدال الواردات.
والأسوأ من كل ذلك يكمن وفق وزير الدفاع الأمريكي في أن منظومة إس – 400 ليست حجر العثرة الوحيد في علاقات أنقرة بواشنطن والعواصم الغربية الأخرى. وعلى مدى عدة سنوات، تمكنت القيادة التركية من مراكمة الكثير من الخلافات والمشاحنات مع جميع الشركاء تقريبا.
وأشار غيتس في مقالته إلى ضرورة محاسبة تركيا أيضا على الأعمال في ليبيا وشرق البحر المتوسط وسوريا، لأنها “تتعارض مع مصالح الحلفاء الآخرين في الناتو وتعقد جهود تحقيق السلام”.
والقضية لا تكمن فقط في محتوى التناقضات القائمة، ولكن أيضا في الشكل الذي تعلن فيه أنقرة موقفها. وفي الغالب يكون مهينا إذا لم نقل أنه وقح بالنسبة للأطراف المقابلة.
وهكذا، لم تتخاصم القيادة التركية مع الجميع تقريبا في وقت واحد فحسب، بل وأثارت أيضا لدى عدد من قادة العالم دافعا شخصيا عميقا ليظهروا لأردوغان أين يقضي جراد البحر فصل الشتاء.
ويبدو أن هذه اللحظة قد حانت. والغرب، بوضعه التوترات الداخلية الأخرى جانبا، انتقل إلى هجوم موحد ضد أنقرة بهدف معاقبتها على الخطوات التي اتخذت بالفعل، وإجبارها على الخضوع التام لـ”الرفاق الكبار” في المستقبل.
وشدد غيتس على عدم وجود مجال أمام تركيا للمساومة على “إس – 400″، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن واشنطن “لا تحتاج إلى امتياز منفصل، بل هي بحاجة إلى استسلام أنقرة غير المشروط”.
وإذا كانت الرغبة في معاقبة أردوغان الصاخب في أوروبا الغربية تستند إلى حد كبير على أساس عاطفي، فهي بالنسبة لأصحاب العولمة العائدين إلى البيت الأبيض، مسألة براغماتية بحتة، وذات أهمية حيوية مباشرة.
وقال وزير الدفاع الأمريكي الأسبق في الخلاصة إن “الوحدة الغربية مع التفوق غير المشروط للولايات المتحدة تنهار أمام أعيننا. ولاستعادة الانضباط في الصفوف الداخلية، من الضروروي إظهار مثال لها لفرض النظام. وتركيا في هذا المعنى هي الهدف الأكثر ملاءمة، لأن ضدها يمكن توحيد الآخرين جميعا، ومن ثم الانتقال إلى “المرتدين” الآخرين.