الرئيسية / مقالات رأي / جونسون سيمد حبل نجاة لحزب العمال في حال الخروج بلا صفقة

جونسون سيمد حبل نجاة لحزب العمال في حال الخروج بلا صفقة

بقلم: أندرو غرايس – اندبندنت عربية

الشرق اليوم- في العام الماضي، قال بوريس جونسون إن فرص عدم التوصل إلى صفقة تجارية مع الاتحاد الأوروبي هي “مليون مقابل واحد”. واليوم قال إنها “محتملة جداً جداً”.

لم أعد أعتقد أن جونسون يخادع. وبما أنه لن يقبل أي اتفاقية تجارية تنطوي على فقدان بعض السيادة، فإن الاتحاد الأوروبي ليس مستعداً لفعل أي شيء من شأنه أن يقوض سلامة سوقه الموحدة الثمينة.

وعلى الرغم من استمرار المفاوضات في بروكسل، يبدو أن الجانبين يمضيان فيها من دون حماسة، ولكن فقط من أجل إطلاع جمهورهم المحلي بأنهم حاولوا جاهدين للتوصل إلى اتفاق. لقد أخبرني مسؤول أوروبي مستاء قائلاً “لقد استنفدنا السبل والطاقة”.

في مخيلته، يردد جونسون أعظم شعاراته: “استعادة السيطرة” الذي رفعه في استفتاء عام 2016 و”تنفيذ بريكست” الذي رفعه في الانتخابات العامة قبل عام بالضبط.

في كلتا المناسبتين، نجح في إثارة الغرائز الوطنية للشعب البريطاني، وهذا ما يفعله الآن مرة أخرى من خلال إصراره على أن المملكة المتحدة سوف “تزدهر بقوة” في حال الخروج بلا صفقة، متجاهلاً بكل ارتياح تحذيرات بنك إنجلترا ومكتب مسؤولية الميزانية بشأن الضرر الاقتصادي الذي قد يترتب على ذلك.

بطبيعة الحال، فإن بعض الأصوات المؤيدة للخروج في الجدار الأحمر (العمالي) الذي تحول إلى اللون الأزرق (المحافظ) قد يوافق على انتقادات جونسون تجاه بروكسل، التي من المحتمل أن تعقب الخروج بلا اتفاق. لكنني أرى أن أي عامل قومي مهدئ سوف يتبدد بسرعة، إذ ستحجبه نشرات الأخبار حول الاضطراب على الحدود ونقص السلع في المحلات وارتفاع أسعار المواد الغذائية وفقدان الوظائف. ومع أن بعض هذه الأحداث يمكن أن تقع في ظل الصفقة الهزيلة التي أرادها جونسون، بسبب زيادة البيروقراطية على الأنشطة التجارية، إلا أنه بعد الخروج بلا اتفاق سيلقى اللوم بشأن جميع المشاكل على فشله في التوصل إلى اتفاق.

إن الخروج بلا صفقة سيغير المشهد السياسي المحلي، لكن ليس بالطريقة التي قد يفكر بها جونسون. للحفاظ على التحالف الذي شكله قبل عام، يحتاج رئيس الوزراء إلى إقناع الناخبين المتأرجحين في الهوامش الجنوبية، وكذلك أصدقائه الجدد في الشمال. غير أن أي صفقة فوضوية لن تنال إعجابهم، ما سيعزز رواية “الحكومة ليست ذات كفاءة”، الحاضرة بالفعل في أذهانهم بسبب جائحة فيروس كورونا.

وإذا لم يتراجع جونسون من حافة الهاوية، فإنه سيمنح حزب العمال حبل النجاة. لقد اعتقد النواب المحافظون أن (زعيم العمال) كير ستارمر وجد نفسه في موقف صعب، خلال إحدى مداخلاته النادرة حول بريكست، لمناسبة جلسة أسئلة رئيس الوزراء الأربعاء الماضي في البرلمان. لكنهم أغفلوا الصورة الكبيرة المتمثلة في أن الحديث عن الخروج بلا صفقة، سيمنح زعيم حزب العمال فرصة العودة إلى لعبة بريكست. صحيح أن ستارمر مثقل بمواقف سابقة باعتباره هو من وجه في السابق حزب العمال لدعم استفتاء ثان بشأن بريكست. لكن ذلك لن يكون مشكلة بالنسبة إليه، إذا ما تحولت صفقة بريكست “الجاهزة للفرن” (التي يلوح بها حزب المحافظين ويطالب ستارمر بتنفيذها) إلى سراب.

كما أن من شأن الخروج بلا صفقة توحيد حزب العمال ضد جونسون، في الوقت الذي يحاول ستارمر احتواء انقسام داخلي مضر بالحزب. إنه يريد من النواب العماليين التصويت لصالح أي صفقة يقدمها جونسون، لكن الشخصيات المؤيدة لأوروبا، بمن فيهم بعض أعضاء حكومة الظل، لا يمكنهم القبول بذلك ويريدون أن يمتنع الحزب عن التصويت.

يمكن للخروج بلا صفقة أن يمنح ستارمر كذلك فرصة النجاة من مأزقه بلا ضرر، إذ إن الاضطراب (الذي ستنتجه اللا صفقة) قد يمنح حزب العمال كثيراً من الذخيرة، وهكذا سيضع المسؤولية على باب مقر رئاسة الوزراء. وكما قال أحد نواب الحزب “سنعلق كل شيء حول رقبة جونسون”.

من جهة أخرى، سيكون المستفيد الآخر غير المقصود من أي خروج بلا صفقة، هي رئيسة وزراء اسكتلاندا نيكولا ستورجيون. فسيوفر لها ذلك منصة انطلاق مثالية لانتخابات البرلمان الاسكتلندي في مايو (أيار) المقبل، إذ قد يمنحها ذلك تفويضاً لإجراء استفتاء ثان من أجل الاستقلال. وإذا كتب تاريخ تفكك المملكة المتحدة في يوم من الأيام، كما أخشى أن يحدث، فسيكون لجونسون فيه دور البطولة على الرغم من أنفه، بصفته مهندس بريكست والخروج بلا صفقة. وكلاهما فرض على اسكتلندا ضد إرادتها الشعبية.

في الواقع لن يكون الخروج بلا اتفاق مجرد عاصفة مؤقتة قبل أن يسود الهدوء وعودة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى طاولة المفاوضات في أوائل العام المقبل. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يأمل في أن يجبر طعم الدواء السيئ، جونسون على العودة (إلى المفاوضات) مهزوماً، يجر ذيله بين ساقيه. لكن هذا لن يحدث، لأن رئيس الوزراء سينتهي بالتأكيد إذا وافق على اتفاق أسوأ أو شبيه بالاتفاق المعروض حالياً.

على نحو مماثل، ستكون لدى الاتحاد الأوروبي قضايا أخرى مطروحة للحل. ومن المحتمل أن تؤجل مسألة المملكة المتحدة 18 شهراً، إلى ما بعد الانتخابات لتحديد خليفة أنجيلا ميركل في ألمانيا، وما إذا كان ماكرون سيحتفظ بالسلطة في فرنسا.

وعلى الرغم من أن كلاً من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة سيواجه صعوبات اقتصادية، إلا أن بروكسل مقتنعة بأن الضرر سيكون أسوأ بالنسبة إلى الجانب البريطاني، إذ ترى أن الفوائد التي وعد بها أنصار بريكست من صفقات تجارية حول العالم، قد لا تعوض المنافع التي كانت ستجنيها بريطاينا من أكبر الأسواق الأوروبية. وبالتأكيد سيصعب هذا الأمر على المحافظين تبرير خطأهم التاريخي في الخروج بلا صفقة خلال الانتخابات المقبلة عندما سيكون موقف حزب العمال أقوى مما لو كان جونسون قد أبرم صفقة.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …